نتحدث عن الديمقراطية، وكأن الحياة حين تنطق بها، تتحول الى "فردوس" و"نعيم"، رغم أن للديمقراطية شروطها، وظروفها ومطالبها، كما أن للمنادين بها "حقوقا" وعليهم "واجبات"، وأى اختلال في المعادلات، تحول الديمقراطية الى لعبة فوضى اضرارها اكثر من فوائدها ولا اجدنى ميالا الى نظرية "المستبد العادل" التي نادى بها المصلح الديني الافغانى في نهاية القرن التاسع عشر، ولكن مادفعنى للكتابة عن هذا الموضوع ما قرأته في باب "قولوا حسنا" للاستاذ محجوب عروة، تحت عنوان: "جحيم الديكتاتوريات ونهاية الطغاة" نشر في اليوم السادس من مايو الجاري في صحيفة "السوداني" أول مالفت نظري، اشارته لكتاب الفه الليبى عبد الرحمن شلقم مندوب ليبيا في الاممالمتحدة تحت عنوان "اشخاص حول القذافي"؟ يسرد فيه محاولات بعض أعضاء مجلس الثورة الليبية لنصيحة القذافي في مرحلة من المراحل للانتقال الى حكم مدني، يقوم على دستور ديمقراطى وحكم للقانون والمؤسسات، وباءت محاولاتهم بالفشل لتعقبها حملات دهم واعتقال وتعذيب ليتحول نظام القذافي الى اكثر الانظمة استبدادا ودموية! واورد نصيحة قدمها أحد اصدقاء القذافي.. له يطلب فيها أن يتخلى القذافي من فكرة الانقلاب أو الثورة، لان النظام في ليبيا بدأ يتطور، مشيرا بأن الثورات لاتجلب الا الفقر والحروب والعداوات كما في مصر عبد الناصر التي انتهت بهزيمة يونيو ، اضافة للكوارث التي حدثث في سوريا والعراق والجزائر. واضاف محجوب عروة من عنده حقا ما اكثر العبر، واقل الاعتبار، فقد انتهى القذافي في ماسورة كبيرة في أحد المجارى، واعدم كما انتهى الطاغية صدام حسين في حفرة.. واعدم، وكانت النهاية العنيفة لكليهما بما جنت ايديهما.. أولى الملاحظات... عبد الرحمن شلقم نفسه، الذي ظل دائرا في اروقه حكم القذافي.. منافحا عن نظام حكم المؤتمرات الشعبية وظل منتقلا من وظيفة الى أخرى.. الى أن ذهب الى نيويورك.. ممثلا ومندوبا عن "الجماهيرية"، أي لم يكن من الذين طرحوا فكرة التحول الديمقراطي.. والحكم المدني، وجاء الان يحكى عنها، ولم تكن استقالته حين رفض القذافي النصائح التي روج لها، انما جاءت استقالته.. في اعقاب المظاهرات العنيفة.. واستشهاد المئات من الثوار، وتدخل الناتو.. اي قبل اسابيع قليلة من اعدام القذافي! ومن الواضح أن الديكتاتورية تفرخ وتستاسد حين يسكت الجميع، ويظن الحاكم انه مبعوث العناية الالهية، وتجربتنا في هذا المجال تغني عن التفاصيل، فجعفر نميرى.. الضابط الثائر اتى لينقذ البلاد وتحول بفضل المتكالبين على السلطة الى الزعيم الملهم والقائد الذي لايخطئ.. والامام الذي يطبق شرع الله.. فظاهرة الطغيان لاتنبت كنبت شيطانى أنما تحركها وتغذيها قوى الانتهازية والتي هى أساس الابتلاءات. والحكى عن التجاوزات بعد التمرغ في كنفها، يمكن اعتباره تجاوزا تكفيرا عن الذنب، ولكن لايعفى من المسؤولية وتذكراي افادات شلقم بما كتبه الكاتب المصري الراحل "توفيق الحكيم" بعد اندثار سلطة جمال عبد الناصر، ولاينكر الانسان أن كتابي شلقم والحكيم قد احتويا حقائق تستحق التأمل، ولكن "الحكيم" بدوره والذي كان لكتابه "عودة الروح" الاثر الفاعل في نفسية عبد الناصر.. ظل طوال قيادة ناصر.. مستمتعا بالجوائز التقديرية التي تمنح له على يد.. من سلب الروح! النقطة الاساسية التي اريد التركيز عليها، بأن من هم حول الطاغية، هم الذين يخلقون ظاهرة الطغيان، ثم النقطة الثانية والتي تعتبر مهمة وجوهرية.. هى أن لا نحكم على التطورات التي جرت بمنظار اليوم فلكل مرحلة ظروفها، وتداعياتها، فمثلا ثورة عبد الناصر لم تأت من فراغ، أو بالأحرى لم يأت هكذا ليفرض نفسه "طاغية"، انما كانت هناك ظروف دفعت الجيش للتحرك وانقاذ البلاد، بعد أن اصبحت الديمقراطية عرجاء، وتفشى الفساد، وانحصرت الثروة في أيدي قلة، ليأتى التغيير.. بالاصلاح الزراعي.. واشراك الجماهير المغلوبة على أمرها في السلطة، ولتصحيح المسار "ولكن" لم تنجح السلطة نجاحا كاملا، وظن الكثيرون أن "قائد التغيير" هو المنقذ، وتركوا له مقاليد الأمور برمتها!.. وامتلأت الساحة باهازيج النصر، وأيضا ظاهرة صدام حسين لم تأت من فراغ، ليقود حزب البعث في ظروف بالغة التعقيد، وانجز الكثير... واخفق في الكثير.. ليتحول الى الزعيم المهيب الأوحد. وقديما قيل أن السلطة مفسدة.. والسلطة المطلقة فساد مطلق.. مما يستدعى قراءة متأنية عن الظاهرة.. وماهى الدوافع التي جعلت مفكرا مستنيرا كجمال الافغاني يدعو الى دولة "المستبد العادل"!!!.