عندما تجلس أنجلينا في ثقة عمرو منير دهب هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته كتبت قبل نحو خمس سنوات عن موري و ريكي اللذين "يقدمان برنامجين يحملان اسميهما على شبكات تلفزة أمريكية، الأول عجوز لا يخلو من وقار يحلو له أن يبدده بعد أن كاد الغرب والأمريكان خاصة يحذفون كلمة وقار من قواميسهم، أو لعلّهم وسعَّوا من مضامين الكلمة بحيث لا تقصي من نطاقها أفعالاً كتلك التي يقدم عليها موري في عرضه. أما الثانية فشابّة قد تستحق لقب حسناء ولكن عن غير جدارة، وهذا أمر تجاوزه الغرب منذ زمان بعيد إذ لم يعد القائمون على الإعلام هناك يُعنون بتفضيل الحسناوات ما دامت فتيات من قبيل ريكي قادرات على النهوض بالمهمة على نحو أفضل بكثير وهن يتحلّين بصفات ضرورية لنوعية خاصة من البرامج كالوقاحة التي يبدو أنها شهدت لديهم تضييقاً، هذه المرة، في مضامينها بحيث لا تدخل في نطاقها أفعال كتلك التي تقدم عليها ريكي في عرضها". وملخَّص موري وريكي أن برنامجيهما، إضافة إلى حفنة برامج مماثلة، كانا " يتنافسان على ابتكار كل ما هو مثير. وإذا كان من قبيل المثير عندنا مناقشة بعض ما يتعلق بالمحظورات كالجنس في كثير من التأدب والتحشم، فان مهمة أمثال موري وريكي هناك هي تداول ذات المحظورات ولكن في غير تأدب أو تحشم، بدءاً باستخدام الإيماءات والألفاظ النابية ومروراً باجتراح الحركات النابية، وربما انتهاءً بابتداع الأفكار النابية كترتيب مواعيد غرامية لعشاق عراة تتبعهم كاميرا البرنامج إلى جزر الباهاما حيث يمارسون طقوس الموعد الغرامي المبتدع ثم يعودون في حلقة لاحقة يتحدثون عن تداعيات التجربة الجريئة". في الفترة ذاتها كنت أطالع لقاءات أنجلينا جولي الممثلة الأمريكية ذائعة الصيت وهي تتحدث في جرأة عن تجربتها في التمثيل و الحياة ، وبدا لي في تقصِّي الفارق بين ضيوف موري وريكي وبين أنجلينا أن الأخيرة لا تنطلق في أحاديثها عن الجنس من الجرأة وحدها ( كما يفعل الأوائل من الضيوف المغمورين) وإنما من وجهة نظر عميقة وواثقة في السينما والحياة، فعندما يسألها بعض مشاهدي الحلقة في الأستوديو عن شعورها أثناء تصوير المشاهد الجنسية، خاصة أن ثنائيتها مع زوجها براد بيت موضع حفاوة واستلهام من قبل الأمريكان والعالم، لا تجيب أنجلينا كنجمات السينما المصرية بأن ذلك مجرد تمثيل بل تقول إنها تجربة يستمتع بها الطرفان – هي والممثل المقابل- ثم يمضي كلٌّ إلى حاله في التمثيل والحياة. المشكلة أن أي منطق لدينا في مواجهة أنجلينا يتعثر، فإذا حاكمناها انطلاقاً من قيمنا لا تستقيم المحاكمة لأنها لا تؤمن بتلك القيم، وإذا شئنا محاكمة القيم الغربية الحديثة المتحررة نتعثر أيضاً لأن ما لدينا من عتاد الجدل لا يزال يراوح مكانه فيما هو تقليدي مما ابتكره موروثنا القيمي حديثاً من قبيل تفسير الليبرالية الغربية بصفة عامة على أنها ردّة فعل لسطوة الكنيسة في العصور الوسطى، وقد تجاوز الفكر الغربي الحداثة وما بعدها حتى كاد ينسى عصوره الوسطى في الدين والسياسة والحياة بأسرها. أساس مشكلتنا في أية محاكمة مفترضة للقيم السائدة في الغرب اليوم أننا نتهافت على استهلاك منتجات الغرب، ليس المادية فحسب وإنما الثقافية كذلك مما هو على شاكلة أفلام أنجلينا جولي حتى إذا ادّعينا اشمئزازنا من المشاهد غير المحتشمة التي تتضمنها والتي يتم حذفها على كل حال من قبل الرقيب لنتلصص عليها من منافذ عولمية أخرى بدافع التحقق من الشيء قبل استنكاره كما يقضي المنطق الشهير، والطرفة النادرة تقول إن مدرس التربية الإسلامية في إحدى الدول العربية فاجأ تلاميذه في المرحلة الثانوية في إحدى الحصص بأنه زار فرنسا، وكانوا يتوقعون أن يحكي لهم الأستاذ المتديِّن عن رحلة عمرة عامرة بالروحانيات في إجازة منتصف العام ولكنه صارحهم بارتياده لأحد الملاهي الليلية في العاصمة الفرنسية الشهيرة، ثم أردف معلِّلاً قبل أن يبادره الطلاب المندهشين بأي سؤال:" فعلت ذلك لأتحقق من المنكر بعينيّ". الأدهى من قصة ذلك المعلِّم نادرة أخرى تحكي عن رجل ملتزم دخل نادياً ليلياً وهو يعلم سلفاً ما يُقدَّم داخله، ولمّا سأله أقرانه لم فعلت ذلك أجاب:" كي أذكر الله في مكان لم يُذكر فيه اسمه من قبل"، ولعل الأخيرة طرفة مصطنعة لا تخلو من الدلالة. في لقاء قريب مع قناة ومذيعة عربيتين بدت أنجلينا أكثر ثقة وهي تتحدث ليس عن الجنس هذه المرّة وإنما عن مشوارها في الفن والحياة بصفة عامة ثم عمّا تعرفه عن العالم الثالث والعرب بصفة خاصة، وإزاء ثقة أنجلينا بدت المذيعة العربية - التي تتحدث الإنجليزية بطلاقة وتدير الحوار بثبات – أقل ثقة ليس لعلّة في أدائها المهني بل لأنها تتحدث تودّداً إلى نجمة عالمية تحاول أن تقتنص منها اعترافاً بشيء عربي ذي بال ترك أثراً على حياتها. على الصعيد العام لا أدري لماذا نصرّ على مواجهة الغرب بتعنُّت، وللصراحة فإن الأدق أننا نُستدرَج إلى تلك المواجهة المتعنتة بمنتهى السلاسة عند أول مفترق لجولات تحققنا من نظريات المؤامرة. مطارحة الآخر أيّاً كان تتأتي بابتكار طرائق أصيلة في مختلف أوجه الحياة مقابل ما يبتكره ذلك الآخر وليس بالضرورة بعدائه حتى إذا كان من الخصوم. ولكن إذا كنّا لا نزال مصرِّين على أن نحاجج الغرب – تحديداً - ونحن لا نملك من أمر اقتحامه بالسلع والأفكار الأصيلة شيئاً فلا أقلّ من أن ندير لمنتجاته ظهورنا اكتفاءً بما لا نزال نعيد إنتاجه من تراثنا مادةً وفكراً. بغير هذين الخيارين: المواجهة بالابتداع أو القناعة بالانكفاء على الذات، سنبدو باستمرار عاجزين ليس عن مقارعة الغرب بسطوته وهيلمانه بل حتى عن الصمود في وجه ممثلة هوليودية حسناء.