هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته من حق أي واحد أن يكره من يشاء دون إبداء الأسباب المسوِّغة لذلك، فالمشاعر هي المساحة التي يمتلكها المرء بلا حساب مقدّم أو آجل، ولكن من الخير للواحد أن يواجه نفسه بالأسباب فلعله بذلك يستريح من عبء الكراهية الثقيل على القلوب باكتشاف الأسباب الواهية - وأحياناً المغلوطة – التي تقف وراء تلك المشاعر. البعض يتخذ من الكراهية حيلة يتوهّم أنها تخفف عن القلب أعباء كالفشل والإحباط عندما تتعلّق بالمنافسين المكتسحين بنجاحاتهم في محيط العمل والحياة الاجتماعية، وربما كان للكراهية بالفعل مفعول سريع التأثير في التسرية عن النفس في تلك الأحوال، ولكنه مؤكَّداً مفعول قصير الأمد، فالمهم في مواجهة الخصوم هو أفعالنا وليس ردات أفعالنا، أي أن السؤال هو : ماذا أنجزنا نحن في المقابل؟ وليس: كيف نشعر إزاء إنجازات الآخرين؟. وإذا كان لا مناص من قانون ردّ الفعل وإبداء المشاعر الصريحة تجاه تفوُّق الخصوم فإن من الحكمة أن لا تستبد الكراهية – إضماراً أو إعلاناً - بحياة الطرف المنهزم، ولن نذهب أبعد من ذلك في سياق العظات فليس بوسع الناس أن يكونوا ملائكة، وربما كان أفضل حظوظهم من مكارم الأخلاق في ساعات الانهزام أن يتصرّفوا كشياطين طيِّبين. أنصح بشدة (ويبدو أنه لا مفرّ من العظة في هذا المقام) أن يجاهد كلٌّ منا في تحويل حالات الكراهية في قلبه إلى حالات من "اللاحب"، تعبيراً عن الامتعاض والانزعاج ليس إلا، وذلك ممكن بقليل من المجاهدة.. ومفيد أيضاً للمرء قبل أن يكون مفيداً للخصوم. أُدخِل نفسي في عداد الطيبين من الناس وأجد من المقربين من يشجعني على هذا الوهم، غير أنني أفاجأ (والمقربون مني كذلك) بأعداد هائلة من البشر تتنافس على اعتلاء قائمة "الأقل حبّاً" في قلبي، ولم تنفع بعض الحيل التي اتخذتها لتبرير مشاعري تلك في إقناع مقرّبين ماكرين بأن وراء تلك المشاعر السلبية عندي أسباباً موضوعية، خاصةً أن كل من سيلي اسمُه من الأعلام الذين يصيبون متابعي وسائل الإعلام ب"وجع الوش" من كثرة إطلالاتهم فوق المنابر الإعلامية على اختلافها. هذا ويطيب لي أن أهنأ بانتزاع اعتراف من المقربين مني، مهما بلغ المكر ببعضهم، يقضي بضعفي أمام ابتسامة عابرة لأحد الخصوم " المعتدين" – من غير المشاهير بطبيعة الحال - على اعتبار تلك الابتسامة اعتذاراً غير مباشر، حتى إذا كان الخصم لا يقصد ذلك كما في أغلب الأحوال. أفردتُ مقالاً من قبل عن أوبرا وينفري التي لا أحبها غيرَ جاحدٍ للمرأة فضلها على السود على امتداد العالم، ومن غير الحاجة إلى إفراد مقال عن باراك أوباما أعلن أنني لا أحبه كذلك مهما كان فضله في تعزيز ثقة السود في إمكانية اعتلاء أرفع المناصب في العالم، ومهما كانت مواهبه في الخطابة والكتابة والإعلان عن حزمة من المبادئ الخلّابة التي لم يتسنَّ لنا حتى اللحظة الوقوف على تجليات أيٍّ منها على أرض الواقع الذي تحكمه أمريكا. مشكلتي مع أوباما أبسط من ذلك بكثير، فهي فيما يسمِّيه البعض كيمياء العلاقة بين شخصين، وعلى وجه الدقة – في حالتي مع أوباما - كيمياء العلاقة من شخص تجاه آخر، فالحظ لم يسعدني بمعرفة كيمياء الرئيس الأمريكي تجاهي لأسباب لا تستدعي الإفاضة في شرحها. إضافة إلى أوباما أنا لا أحب ساركوزي، والسبب هو نفسه..الكيمياء من طرف واحد، مضافاً إليها جملة من التصرفات الحمقاء والساذجة في السياسة الدولية ومع عامة الفرنسيين ممن يبادولنني نفس الشعور. قائمة الرؤساء والساسة طويلة، ومبررات عدم الارتياح إليهم لا تعوز أحداً مع طبيعة عملهم التي تفضح ما يستطيع الآخرون إخفاءه في غير السياسة من المهن الأقل أضواء. ولكن للممثلين قائمة أطول مع أن مهنتهم تقوم على الأضواء وعلى إخفاء المشاعر الشخصية وإبداء غيرها مما يتطلّبه الدور، والأرجح أن لقاءات وتصرفات الممثلين خارج أعمالهم الفنية من أظهر ما يرسِّخ مشاعر الناس – على تباينها - تجاههم، وإن كانت طبيعة أداء الممثل - وطلّته من قبلُ - أشدّ أثراً في تأجيج مشاعر الحفاوة به أو نقيضها. رغم بداياتي البريئة في الضحك مع الممثل المصري عادل إمام فإن أداءه الفني في مراحل لاحقة إضافة إلى سلوكه الذي لا يخلو من عجرفة مع الناس جعلا مشاعري تجاهه لا يمكن أن توصف بالبراءة أو الحب. كذلك فإن مشاعر محايدة تجاه الممثل المصري أيضاً حسين فهمي تحوّلت إلى الضيق والاستياء بسبب أدائه الفني ثم سلوكه الذي يبدو من خلاله وكأنما يزهو بالعجرفة أمام الكاميرا ومع الناس. وعندما غادر مقدّمو البرامج التلفزيونية خانة المذيع المحايد متواضع الحظ من النجومية إلى خانة النجم اللامع مع البرامج الموصوفة ب "عروض الكلام" أصبح بإمكاننا أن ننعم بمزيد من المشاعر غير المحايدة معهم، وعليه لا يضيرني أن أجاهر بضيق شديد من المصري "محمود سعد" على اختلاف القنوات التي أطلّ منها لإحساسي العميق بالدوافع غير المثالية التي يكنها بخلاف ما يظهر، وبزميله – جنساً ومهنة - "أحمد منصور" الذي يبرع في حمل المشاهد على الإحساس بشخصنة استفزاز الضيوف لدوافع نفسية بحتة. على مستوى هوليود لا أحب أنجلينا جولي التي حذرني كثيرون من المجاهرة بمشاعري السلبية تجاهها لما تتمتع به من شعبية عارمة، إضافة إلى مبادئ تقوى على تجسيدها في مناصرة الضعفاء ومناهضة العنصرية، ولكن للحب أسباباً أخرى خلاف المبادئ كما نعرف: الكيمياء ليس إلا. وكيميائي مع نجوم هوليود تجعل آخرين كتوم كروز وجيم كاري وحتى ميل غيبسون ينافسون أنجلينا على قائمة مشاعري السلبية، وغيبسون مثال آخر لما حذرني منه مقرّبون يرون في مواقفه المبدئية تجاه مزاعم المحارق اليهودية – إضافة إلى براعته الفنية تمثيلاً وإنتاجاً وإخراجاً – سبباً وجيهاً في تصويب مشاعر الكراهية تجاهي أنا من قِبل معجبي الرجل ( وهم كُثر) إذا جرؤت على إعلان ضيقي منه على الملأ. على نطاق المشاعر الإيجابية فإن قائمتي تطول جداً إن في محيط الأقربين أو المشاهير من الناس على اختلاف مشاربهم، ورغم اجتهادي في محاولة الاقتصاد في مشاعري، أو على الأقل الاقتصاد في التعبير عنها، لما تحمله الأيام باستمرار من دواعي تغيير العواطف والمواقف فإنني أجد بهجة خاصة التعبير عن الود الذي أكنه لهذا أو تلك من بني آدم وبنات حواء. أحب من الكُتاب العرب الفلسطيني جهاد الخازن والمصري الراحل محمد مستجاب، ومن الكاتبات العربيات الجزائرية أحلام مستغانمي، والكتابة مجال عريض يسمح بولوج المشاعر المختلفة والمتضاربة فيه من أوسع الأبواب. ومن مقدِّمي البرامج العرب أكن مشاعر يمكن أن تُوصف بالود للسوري فيصل القاسم رغم ما يثيره ذلك من استغراب مقربين يذكرونني بضيقي الشديد من زميليه المصري أحمد منصور والفلسطيني سامي حدّاد - اللذين يزعجان ضيوفهما بالأسئلة المستفزة - على نفس القناة ومن اللبناني طوني خليفة الذي تنقَّل عبر قنوات فضائية مختلفة، فليس من العدل، يقول أولئك المقربون، أن أنزعج من مقدم برامج وارتاح إلى آخر وكلامها يشترك في نفس الخلّة. ولكنني أصحّح المعلومة لأولئك الأحباء، فشخصنة الاستفزاز شيء والاستفزاز لدواعٍ فنية شيء آخر.. ذلك هو الفرق بين منصور وحدّاد وخليفة من جهة وفيصل القاسم من جهة أخرى، هذا إضافة إلى مسألة الكيمياء التي تبدو مخرجاً سلساً من أية محاصرة على نطاق المشاعر. من نجوم هوليود أحب مورقان فريمان وأرتاح إلى دينزل واشنطن، وقبل أن أُرمَى بالعنصرية تضامناً مع السود وحدَهم أضيف إلى قائمة من أرتاح إليهن من النجمات البيضاوات ميريل ستريب وساندرا بولوك. ومن رؤساء أمريكا السابقين، على صعوبة الثقة في أيٍّ منهم، أرتاح إلى جيمي كارتر على نحو خاص رغم أن أبراهام لينكولن هو الأوسع شعبية بين الأمريكان بوصفه أحد أشهر الذين رسّخوا المبادئ الأمريكية المتحرّرة التي أتاحت لأوباما لاحقا أن يشاركه شرف اعتلاء المنصب الذي بات الأرفع عالمياً، دع عنك منصب الأمين العام للأمم المتحدة فشأنه كما نعرف جميعاً من حيث التراتبية إزاء رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولست متأكداً من تراتبيته إزاء باقي رؤساء العالم. ولكن لا بأس بكورت فالدهيام أثيراً بين أمناء المنظمة العالمية الأذيع صيتاً، وذلك بعيداً عن المثالية في التمسك بالمبادئ في وجه أمريكا ومعسكرها الغربي، فتلك قصة أخرى بطلها من أمناء الأممالمتحدة داغ همرشولد على ما تروِّج الروايات عن ملابسات مقتله الغامض. من الناس، مشاهير وغير مشاهير، من أحببته ثم عدت فضقت به، ومنهم من ضقت به ثم عدت فأحببته، على صعوبة تغيير الانطباع الأول في كل الأحوال. ومن بين الذين أبغضتهم من أدين لهم بفضل كبير لأنهم علّموني دروساً ثمينة في الحياة كالحذر في إفشاء ثقتك ومودّتك من أول نظرة وأول انطباع، ومن بين أولئك من لا أدين لهم بأي فضل سوى اكتشاف قدرتي على التحمّل. ولأن حديث الحب والبغض يغري بالاستمرار من غير أن يقي صاحبه شرّ المزالق والمهالك، فإن الأجدر بي أن أتوقف عند هذا الحدّ موجِزاً أنه ليس من غاية لهذا الحديث نهاية المطاف أبعد من تأكيد أن مشاعر أيٍّ منا مساحة خاصة يجب أن يتحرك فيها كما يشاء ويعبِّر عنها بمهارة، دون أن يحمله ذلك على الحرج.. أو التعالي.