** أحياناً، لترسيخ مغزاها في ذهن القارئ، نلجأ الى طرفة - أو واقعة تاريخية- كمدخل لقضية الزاوية.. وحكاية سباق التجديف التي اتخذتها كمدخل لزاوية أول البارحة كانت – ولا تزال - محض حكاية تُحكى في سياق نقد مساوي النهج الذي يصرف على الإدارة وشخوصها بلا إنتاج مرتجى من أوجه ذاك الصرف غير الرشيد، أي كما حال النهج الإداري بالأوقاف حين يهدر الأموال العامة في العقودات السرية وغيرها بلا أي عائد وقفي للسودان بالسعودية.. ومع ذلك، تلقيت عتاباً رقيقاً من الأخ عبد الرحيم حمد الحاج، رئيس الاتحاد السوداني للتجديف والكانوي، حيث عاتب موضحاً بأنهم ينجزون كثيراً - داخل وخارج السودان - ولكن الإعلام الرياضي يظلمهم بحيث لا يحتفي بإنجازاتهم ولا يعكس مناشطهم كما يجب.. وعليه، للأخ عبد الرحيم العتبى حتى يرضى، مع الأماني لفرق التجديف السودانية بالمزيد من الإنجاز..!! ** لا عليكم يا شباب التجديف، إذ تلك محض حكاية لاستلهام مغزاها فقط لاغير..وكنوع من الكفارة - أو فلنقل كعربون صداقة - أهدي الأخ عبد الرحيم وشباب التجديف حكاية اليوم.. سرق أحدهم خروفاً ليشارك به في (قعدة)، ولكنه تلقى عتاباً من شاكلة : (لا كدة حرام، يوم القيامة ح تجي شايل الخروف في ضهرك قدام خلق الله)، فراقه الأمر وسأل المعاتب : ( صاحب الخروف بيكون موجود مع خلق الله ؟)، فأجابه بنعم، فباغته السارق بمنتهى البراءة ( طيب كده ماخلاص المشكلة اتحلت، يشيل خروفو ويمشي ) .. وإذا أراد أحدكم - يا شباب التجديف- مغزى هذه الحكاية، فليقرأ الأسطر التالية.. ناقشت لجنة الشئون المالية بالبرلمان تقرير المراجع العام، وكتبت تقريرا به أسطر غريبة جداً، إذ تقول الأسطر الغريبة بالنص : (( هنا نشيد بالجهود التي تبذلها نيابة الأموال العامة، حيث فصلت في أكثر من (20 حالة)، من جملة الحالات التي بلغت (39 حالة)، إذ تم الفصل في (9 حالات) منها، إضافة الى شطب (11 حالة) نسبة للسداد أو لأن الواقعة لا تشكل جريمة جنائية)).. فلنعد قراءة تلك الأسطر، لنخرج بإفادة خطيرة تشير الى أن نيابة الأموال العامة تشطب بعض القضايا في حال سداد المتهمين المبالغ المطلوبة منهم، أى في حال استرجاع المختلسين للمبالغ المختلسة، وهذا لا يجوز (شرعاً وقانونا)..!! ** فالمادة (177)، من القانون الجنائي للعام (1991)، تقول بالنص : (( 1/ يعد مرتكب جريمة خيانة الأمانة من يكون مؤتمنا على حيازة مال أو إدارته ويقوم بسوء قصد بجحد ذلك المال أو امتلاكه أو تحويله الى منفعته أو منفعة غيره أو تبديده أو التصرف فيه بإهمال فاحش يخالف مقتضى الأمانة ويعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز (7 سنوات)، كما يجوز معاقبته بالغرامة .. 2/ إذ كان الجاني موظفا عاما أو مستخدما لدى أي شخص اؤتمن على المال بتلك الصفة، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز (14 سنة)، مع الغرامة أو بالإعدام )).. هكذا النص القانوني، واضح وصريح ، بحيث لم يقل إطلاقاً (تُشطب القضية في حال سداد المتهم المبالغ المختلسة)، أو كما الحال المبين في ذاك التقرير البرلماني ..فالموظف العام، كبيراً كان أو صغيراً، يعاقب بالسجن - 14 سنة أو أقل - والغرامة، أو بالإعدام، في حال إدانته بجريمة خيانة الأمانة.. وأن يُسلم الموظف العام مالاً عاماً الى نيابة الأموال العامة - بقصد سداد المال المعتدى عليه - نوع من أنواع الاعتراف بخيانة ذاك المال العام ، وعليه : الاكتفاء بشطب القضية ليس حلاً قانونياً في حال كهذا .. أي يجب ترحيل الموظف والمبلغ من سجون النيابة الى سوح المحاكم، بحيث تكتمل أركان العدالة هناك، بالسجن والغرامة أو بالإعدام، كما ينص القانون..اللجنة البرلمانية التي أشادت بالأداء لم تنتبه لهذا النهج الذي لا يختلف كثيرا عن تبرير ذاك القائل ( ياخ يشيل خروفو ويمشي)..!!