المحتجزون الأربعة.. تسريح بإحسان تقرير: لينا يعقوب كان النقاش يدور حول كيفية استئناف المفاوضات بين الدولتين، وكانت الأسئلة والاستفسارات تتمحور حول ضرورة وضع بند الترتيبات الأمنية أولا كشرط أساسي للتفاوض حول بقية القضايا العالقة، ولأكثر من ساعة استمر الحديث حول هذه المواضيع.. وبعد أن تم التأمين عليها والاتفاق حولها، وقبل أن يقف الوسيط المشترك ليهم بمغادرة بيت الضيافة مساء أمس الأول، همس في أذن الرئيس ليطلب منه شيئا بصفة شخصية.. قال له "أرجو ألا تعتبر ذلك تدخلا في الشأن الداخلي، لكن إن لم يكن لدى سيادتكم مانع، فإني أرجو أن تطلق السلطات المختصة سراح المحتجزين الأجانب الأربعة إن لم يثبت تورطهم في شيء يمس سيادة السودان".. رئيس الجمهورية استقبل همسات ثابو مبيكي بكل ترحاب، فهو يعلم المقاصد الأخرى التي يعنيها مبيكي والرسائل التي يريد إيصالها.. لم تمر دقائق، حتى سارع الرئيس بالاتصال بوزير الدفاع الفريق ركن عبد الرحيم محمد حسين ليطلب منه فك سراح المحتجزين الأربعة.. فسارع أيضا عبد الرحيم بتخليص الإجراءات وإغلاق ملف التحقيق حتى يغادر الأجانب الأربعة مع ثابو مبيكي إلى جوبا.. وبعد أن تم إطلاق سراحهم قال وزير الدفاع في تصريح مقتضب "أفرجنا عنهم وسلموا إلى الرئيس ثابو مبيكي". بالتأكيد هي ليست المرة الأولى التي تطلق فيها الحكومة السودانية أسرى أو محتجزين لديها لدواعي سياسية، فهناك حالات كثيرة تتشابه في الفكرة وتختلف في مناسبة (إطلاق السراح).. على سبيل المثال لا الحصر، حادثة مستشار الرئيس الأوكراني الذي دخل دارفور عن طريق الجارة تشاد في 2005، وأيضا قضية شتاينر ذلك الجاسوس الألماني الذي وصل إلى الجنوب في سبعينات القرن الماضي لتدريب الأنانيا، وكذلك حالة النائب في الكونغرس الأمريكي فرانك وولف الذي تسلل إلى ولاية جنوب كردفان سرًا، أواخر فبراير الماضي عبر دولة الجنوب، وبصحبته الصحفي الأمريكي نيكولاس كريستوف، وهو الأمر الذي أدى بأن يقدم سفير السودان بواشنطون عماد التهامي احتجاج بلاده للخارجية الأمريكية لوصول الرجلين البلاد دون تأشيرة دخول. لكن هذه المرة، بعد أن حررت القوات المسلحة منطقة هجليج وأثناء إجراء تمشيط روتيني على حدود المنطقة، وجدت وحدة تابعة للجيش السوداني أربعة أجانب، بريطاني، نرويجي وجنوب أفريقي والرابع من جنوب السودان.. كان الأربعة حسب ماقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الصوارمي خالد سعد، يجمعون مخلفات حربية لمعاينتها، واتضح أن خلفيتهم عسكرية وكانوا يتنقلون على حدود المنطقة في سيارتين. سفارات الدول الثلاثة (الأولى) بذلت مافي وسعها، والتقى سفراؤها بمسئولين من وزارة الخارجية، حيث أعربوا عن قلق بلدانهم من استمرار احتجازهم وطلبوا الالتقاء بهم لتقديم أي مساعدة يحتاجونها.. الخارجية كانت على تواصل مستمر مع السفراء لإبلاغهم بأي مستجدات تحدث. وحسب تقارير إعلامية – غير رسمية – فإن الأجانب الأربعة يعملون في قوة نزع الألغام التابعة للأمم المتحدة التي تعمل في المنطقة. وزير الخارجية علي كرتي عقب لقاء مشترك جمع الأمين العام للجامعة العربية ورئيس الجمهورية بالقصر الجمهوري أوضح في تصريحات صحفية أن هناك تفاهم سياسي لما يقوم به مبيكي والوساطة الأفريقية، وأشار إلى أن الخطوة القصد منها تمكين الوسيط من أن يكون له دور كبير في بقية الملفات الأخرى.. أما أمين أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني د.بدر الدين إبراهيم فاعتبر أن استجابة الحكومة بإطلاق سراح المعتقلين الأربعة ليس المعني بها دولة الجنوب إنما هي لتأكيد حرص السودان على السلام مع جيرانه، ووصفها ببادرة لإظهار حسن النوايا وتوقع أن تبدأ المفاوضات بملف الترتيبات الأمنية وفقا لما رتبت له الحكومة مع مبيكى ووفقا لما جاء في قرار مجلس الأمن. خطوة الحكومة السودانية أو بادرتها في إبداء حسن النوايا لا بد أن تقابلها خطوة من قبل المجتمع الدولي في إبداء حسن النوايا تجاه السودان، ففي العرف الدولي في مثل هذه الحالات يعتبر دخول الأجانب لدولة ما بأنه انتهاك لسيادة دولة عضو في الأممالمتحدة، ويوقع الفاعل تحت طائلة القانون الدولي والقانون المحلي للدولة المعنية وفي حالة السودان يحق له بمساءلة الأجانب الأربعة قانونياً طالما أنه تم إلقاء القبض عليهم أثناء وجودهم غير المشروع في الدولة، ويبدو واضحا أن طبيعة تواجد أولئك الأجانب في المنطقة لا يصب في مصلحة الحكومة وإلا لما اتخذت العملية طابع السرية وهو الأمر الذي يعني تغاضي الحكومة عن المهمة (غير الجيدة) التي أراد أولئك المحتجزون القيام بها. خطوة رئيس الجمهورية بإطلاق سراح الأسرى لن تؤثر على السودان سلبا، فالوسيط المشترك اعتاد كلما يطلب طلب يتعلق بإبداء حسن النوايا، فإن مسئولي الدولة يستجيبون له، وبلا شك سيحمل هذه المبادرة إلى أروقة الأممالمتحدة والمجتمع الدولي.