انتصرشعب مصر لعمق حضاراته المتعددة والضاربة فى التاريخ وانتصر لثورته من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية ولحقوقه الأساسية وقال كلمته عبر أول انتخابات حرة، نزيهة، شفافة وصادقة تجرى منذ ستين عاما وأعطى ثقته لمن يستحقها الدكتور محمد مرسي ليس لأنه يمثل جماعة الإخوان المسلمين ولا حزبها الحرية والعدالة ولو كان الأمر كذلك لما وجد هذا الحجم من التأييد الكبير ويفوز بمنصب رئيس جمهورية مصر لكنه يمثل ضمير الشعب والقوى الوطنية الثورية التى جاءت بالحرية والديمقراطية وانتصرت لإرادتها الحرة وطوحت بقوى الطغيان ووضعته فى حجمه الطبيعي. لقد أنهت الممارسة الديمقراطية الحرة ستين عاما من البلطجة باسم الديمقراطية الثورية حينا وباسم الشعب حينا آخر ولكنها سحقت الشعب ووضعت الوطنيين والثوار فى السجون والمعتقلات وأطلقت الفاسدين الديكتاتوريين ومراكز القوى يصولون ويجولون ويحتكرون. نعم لقد أنهت هذه الانتخابات الحرة تلك الاستفتاءات الباطلة التى يترشح فيها رئيس واحد ينال 99% من الأصوات فى عملية تزوير واضحة.. هو الزعيم القائد الأوحد ومن حوله أصفار.. ترفع صوره وحده وتخفض كل الصور.. هو الوطني ومن يخالفه فهو الخائن.. من يسكت على فشله وجرائمه وفساده وكذبه فهو الوطني المخلص ينال كل الامتيازات ولو أخطأ وفسد، ومن يجهر برأيه وينصح فهو المجرم يجب اعتقاله وتجريده من كل شيء.. كانت الأنظمة السابقة زفة لا تنتهي وطبول ومهرجانات وثريات تتدلى ابتهاجا بالرئيس القائد.. الأيادي مشغولة بالتصفيق لكل قرارات النظام والعقول مغلقة فمؤسساته الدستورية من مجالس تشريعية وقضاء مجرد ديكورات للنظام وحزبه الحاكم عبارة عن مؤسسة لتمرير الأخطاء وأخيرا وسيلة للتوريث، والآن مصر تستعيد عافيتها وتستنهض همتها وتستدعي تاريخها الباهر فيصبح الحاكم خادما للشعب لا سيدا له ولذلك نقول للسيد الرئيس محمد مرسي بعد أن نهنئه بالفوز مايلي فالنصيحة لله ولرسوله ولقادة الأمة وعامتهم: أنت الآن ياسيد مرسي لست ممثلا للإخوان المسلمين وحدهم وقد أحسنت جماعة الإخوان حين اعتبرت السيد مرسي ليس عضوا فيها ولذلك يتعين عليك أن تكون رئيسا لجميع المصريين فالذين أعطوك أصواتهم لتفوز ليسوا من جماعة الإخوان وحدهم. وياحبذا لو خطا الإخوان المسلمون خطوة أخرى متقدمة وتحولوا من (جماعة) إسلام سياسي الى ( جمعية للإصلاح الديني والاجتماعي والثقافي والأخلاقي) تقوم على الدعوة للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة لا التعالي الديني، تهدف الى تحقيق مقاصد الدين ونشر ثقافة التسامح الديني والاجتماعي ومحاولة تقريب وجهات النظر وإجراء حوار الحضارات لا تصادمها. إن تكريس قيم الصدق والأمانة وطهارة اليد واللسان وبناء المجتمع على القيم الفاضلة والإنسانية الإيجابية يجب أن تكون أهداف التيار الإسلامي بكل أطيافه لا الصراع السياسي وجعل السلطة هى الهم الأكبر لهم. يجب أن يترك العمل السياسي لأحزاب مدنية ديمقراطية مؤسسية تقوم على البرامج الواضحة لا الصراع الديني وهنا يجب أن يكون حزب الحرية والعدالة المصري مثل حزب حزب العدالة والتنمية التركي وليصبح مرسي أردوقان آخر، وليتعظ من تجارب الحركات الإسلامية التى أعطت مثالا سيئا للإسلام السياسي. ونصيحة هامة للرئيس مرسي والقوى الثورية بما أنكم التقيتم على صعيد واحد وحققتم الأغلبية التى أهلتكم للفوز يجب أن تنتبهوا للذين أعطوا أصواتهم للسيد شفيق فمدوا لهم أيديكم بكل الحب والاحترام وبشكل أكبر لخمسة وعشرين مليون مصري لم يذهبوا للتصويت ولبقية المصريين لما يحملونه من آراء قد تختلف عنكم، فالحكمة تقتضي أن توحدوا شعبكم وتحافظوا على النسيج الاجتماعي المصري وتحسنوا إدارة التنوع. إن الفوز بالرئاسة يلقي بمسئولية أكبر للفائزين فلينتهزوا الفرصة فقد تأكد أنه لا مؤامرة ضد الثورة فلجنة الانتخابات أثبتت صدقها واستقلاليتها وإذا قبلوا حكم القضاء فى انتخابات الرئاسة فليحترموه فى حل مجلس الشعب ولتكن جولة انتخابات أخرى، حرة وشفافة وصادقة ونزيهة.. حفظ الله مصر ولتكن لنا قدوة.