أوضحنا هذا الخلاف ... كثير من الناشطين الحقوقيين يرفضون المسئولية الجنائية على عاتق رؤساء التحرير والصحفيين ... يرفضون هذا مطلقا ويشددون على المسئولية المدنية التي تنتهي إلى الغرامة والتعويض المالي ولا يدخل الصحافي السجن إلا في "حالة الإخفاق في السداد" ويصبح مثله مثل سجين الشيكات ... وهذا الحل بالرغم من إنحيازه الظاهري للصحافة والصحافيين إلا أنه يمنح (رؤوس الأموال) والحكومات ذاتها وسيلة للسيطرة عبر تميزها المالي ومقدرتها على حماية من تريد بسداد تعويضاته وغراماته وترك من تريد ليواجه مصيرا قاسيا. عندما تكون القضية كلها مدنية مالية يمكن أن يحدث الآتي على سبيل المثال ... يصبح (الكذب الضار) صفقة تتم بين طرفين ... صحيفة ومؤسسة مالية ضخمة ضد ثالثة ... تكذب الصحيفة وعندما يبلغ الموضوع المحكمة والتعويض تسدد المؤسسة الأولى ولكنها تكون قد حققت أهدافها في إطار المنافسة غير الشريفة مع المؤسسة الثانية! إذاً تجريد المخالفة الصحفية من بعدها الأخلاقي المهني وتغييب مقصد (الردع) من العقوبة يضر بمهنة الصحافة ذاتها وينحط بها. هذا وغيره من الإنتقادات يشكل حواجز شاهقة أم "إعدام المسئولية الجنائية". ويفتح الباب لإجتهادات جديدة من ضمنها (المسئولية الهجين) فهي مسئولية جنائية في قضايا ومسئولية مدنية في قضايا ... والإجراءات في كلا الحالتين مدنية لا تدخل الصحافيين السجون والمحابس بعد نشر المادة الصحفية مباشرة ولكنها يمكن أن تحظر عليهم نشر مواد متعلقة بالملف موضوع النزاع وذلك لسببين: الاول: النشر الصحفي الذي يشكل جريمة ليس فعلا ماديا يمكن إبطاله وإيقافه بسجن (شخص الفاعل) الذي قام به فهو فعل معنوي وأقرب للرأي منه للفعل وبعد أن ينشر في الصحيفة يفارق شخص الفاعل ويصبح محله أذهان المتلقين وليس شخص الصحفي أو الورقة التي تم طباعة المادة الصحفية عليها. وهنا يظهر الفرق بين حركة متمردة تقود حربا مادية ضد الدولة ويمكن الحد من أفعالها بسجن أفرادها وربما قصف مقارها ولكن الصحيفة يستحسن إيقافها من النشر في الموضوع "محل التهمة" إلى حين النظر .... وفي حالة عدم التوقف من النشر يتم إيقاف الصحيفة بسبب عدم تنفيذ قرارات المجلس المهني أوالنيابة أو المحكمة وليس بسبب النشر. أيضا لا بد أن تكون هنالك ضوابط مهنية ودور للمجلس المهني حتى لا يتم تسييس هذه الخطوة وما يمنح من حرية وتقنين باليد اليمين يؤخذ بالشمال. الثاني: القبض الجنائي وإستدعاء شخص الصحفي قد يكون بابا للحد من حركته أو التضييق على عمله ... وفي هذه الحالة يتم تمثيل الصحيفة بممثل قانوني محامي أو شخص طبيعي ... تماما مثلما يمثل المنشأة المدنية مديرها أو مدير قسم فيها أو المستشار القانوني أو أي وكيل معتمد ... وهذا يسهل إجراءات التقاضي ويختزل دور المؤسسة أو الصحفي في تنفيذ العقوبة المالية إذا تم تحديدها ... وهذا حل وسط يشتمل إثبات حقوق المتضررين وحق الصحفي في ممارسة عمله بحرية. في تقديري ... لا داعي للمثاليات ... نريد قانون إعلام قوي وفاعل ولتكن فيه جزاءات وعقوبات طالما هذه الحزمة المتكاملة تخرج الصحافة والصحافيين من القوانين الأخرى ..!