تناولت ورقة نشرت حديثاً بموقع (كونسالتنسي آفريكا) الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على إيقاف إنتاج النفط بدولة الجنوب ونتائجه المدمرة للاقتصاد السوداني ومستقبله وأثره على المواطن بكلا الدولتين والآثار السلبية على صناعة النفط بدولة الجنوب، واستعرضت الورقة التي جاءت بعنوان (تكلفة الانفصال : الوضع غير المستقر بدولتي السودان) دراسة أجريت بمعهد الدراسات الأمنية والتنمية الدولية قبل عامين ونبهت الدراسة للسيناريوهات الحالية بالسودان والأوضاع التي أعقبت انفصال الجنوب، وتوقعت الدراسة الأزمة الاقتصادية الحالية وطالبت المجتمع الدولي باتخاذ قرارات قوية لتجنب الأزمة. آثار الانفصال أشار الكاتب والمستشار بمؤسسة (أفريكا أنتلجنت) البروفسور بيلندا بي بحسب الورقة إلى أن انفصال الجنوب والذي اعتبر بأنه خطوة في طريق تحقيق السلام جاء على عكس التوقعات وأدى إلى خلق دولتين غير مستقرتين مهددتين ليس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فحسب ولكن قادهما لوضع خطر من الصعوبة تداركه. وقال الكاتب إنه من المتوقع أن يحصل السودان على (2.6) مليار دولار أمريكي في حال وافقت دولة الجنوب على قبول الرسوم المقترحة من قبل قادة الشمال – الأموال – التي تعادل الأموال التى كان يجنيها السودان من البترول قبل انفصال الجنوب مما يعني استمرار البلدين في اقتسام عائدات البترول بنسبة (50/50) – الأمر – الذي سيصبح من السذاجة الاعتقاد بأن توافق عليه الدولة الحديثة. وألمح الكاتب إلى أن رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت بدأ يتطلع شرقاً عقب انفصال الجنوب ظناً منه أنه لم يعد في حاجة إلى إقامة علاقات مع دولة الشمال يحدوه أمل في إمكانية بناء خطوط أنابيب تمتد إلى الموانئ البحرية بكينيا وعبر يوغندا مما يسمح لنفط الجنوب العبور شرقاً إلى أقصر طريق إلى البحر بدلاً عن الأنابيب الحالية عبر ميناء بورتسودان، مشيراً إلى أن جوبا اعتبرت أن المشروع المقترح يناسب طموحها لأنه سيمكنها من استئناف إنتاج النفط دون تدخل من الخرطوم فضلاً عن الفائدة التي تعود على كينيا ويوغندا وهو ما ستخسره الخرطوم وبدون شك يعتبر فائدة لجوبا، وقال الكاتب بالنظر للوضع الحالي فإن تطوير بنية تحتية في هذا الجزء من العالم تعترضه عقبات عديدة، معتبراً أن مشروع إنشاء خط الأنابيب المقترح لا يعدو أن يكون مجرد حلم في الوقت الحالي سيما وأن ميناء لامو الذي سيصل الأنابيب بالبحر لم يتم إنشاؤه بعد، لافتا لأنه من غير المرجح أن يتم بناء أي خط أنابيب بديل في المستقبل القريب، مشيراً لأن بعض المتفائلين بدولة الجنوب يعتقدون أن بناء خط الأنابيب سيتم في غضون سبعة أشهر على الرغم من أن الأمين العام للحركة الشعبية وكبير مفاوضي دولة الجنوب باقان أموم قد أقر بأن تنفيذ المشروع قد يستغرق أربع سنوات معتبراً أن أكبر عقبة تواجه المشروع هو العثور على مستثمرين لتمويل المشروع المقترح. موقف الصين في ذات الوقت وجدت الصين التي تعتبر أكبر المستثمرين بالقطاع النفطي بالسودان نفسها في وضع حرج فقد عرف عن مواقف الصين السياسية الدولية بأنها تركز اهتمامها على استثماراتها وتغض الطرف عن الشؤون الداخلية للدول الأخرى إلا أنها وجدت أن بقاءها في الخطوط الخلفية غير كافٍ خاصة وأن الأمور تسؤ والوضع يتدهور وتحتاج إلى تغيير نهجها في هذه المرة. وطالب الناطق باسم الخارجية الصينية عندما وصلت الأمور مرحلة الغليان دولتي السودان بالإيفاء بالتزاماتهما في حماية الحقوق القانونية للشركات الصينية وجميع الشركاء، ورفضت الصين تمويل المشروع المقترح وقدمت بدلاً عن ذلك قروض مصرفية ومساعدات طارئة لدولة الجنوب، واعتبر الكاتب رفض الصين لتنفيذ المشروع مؤشراً للعقبات السياسية والاقتصادية المحيطة بالمشروع وأنه غير قابل للتنفيذ في المستقبل القريب، مشيراً إلى أنه بالنظر لاتجاه الصين لزيادة وارداتها النفطية من السعودية وأنغولا وروسيا وأيضاً بالنظر للكمية الصغيرة من إمدادات الصين بالنفط فإنه يمكن القول بأن الصين لن تغير موقفها وتتدخل في العلاقة المتوترة بين دولتي الشمال والجنوب، على الرغم من أن الصين ببقائها على الهامش قد تشوه صورتها كصديق للعالم النامي وتعرض مصالحها للخطر إلا أنها أبدت موافقتها على اتفاقية ب(12) مليار دولار أمريكي لبناء الطرق وتطوير الزراعة والكهرباء بدولة الجنوب وسعت بذلك لضمان حماية مصالحها الاستثمارية دون الزج بنفسها في المعركة السياسية بين الشمال والجنوب. تداعيات الأزمة وتوقع الكاتب أن البرامج المصممة للمساعدة في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل بدولتي السودان سيتم توجيهها للأغراض الإنسانية نظراً لما شهده النصف الأول من العام الحالي من تدهور اقتصادي، مشيراً إلى أن دراسة كانت قد أجريت بمعهد الدراسات الأمنية والتنمية الدولية في العام 2010 توقعت سيناريوهات عديدة لانفصال الجنوب من ضمنها أن السودان سيواجه أزمة بسبب عدم تمكنه من التعامل بصورة جيدة مع نتائج الأستفتاء، مضيفاً أن الدراسة التي أجريت قبل الأستفتاء سلطت الضوء على وجود قضايا مهمة وحساسة وطالبت بحسمها قبل أن يصبح الانفصال حقيقة من بينها قضايا ترسيم الحدود والمواطنة والنفط حتى يمكن تجنب زيادة العنف والفقر. وأشار المحللون إلى أن العودة إلى الحرب يمكن أن تكلف ما يزيد عن (100) مليار دولار أمريكي على مدى عشر سنوات. وتوقع التقرير أن تفقد هذه الأموال نتيجة فقد السودان (50) مليار دولار من الناتج الإجمالي المحلي و(25) مليار دولار من الدول المجاورة نتيجة عدم الاستقرار في المنطقة و(30) مليار دولار أمريكي في عمليات حفظ السلام من قبل المجتمع الدولي، ولفتت الدراسة إلى أن هذه الأرقام التي تم استقراؤها والتي تعتبر افتراضات في تلك الفترة إلى ضرورة أن يتبع المجتمع الدولي نهجاً أكثر قوة لمعالجة الوضع قبل أن تتحول تلك الأرقام إلى واقع. وأشار الكاتب إلى أن المتتبع للمشهد بجوبا يرى أن المسؤولين بدولة الجنوب يعتقدون أنهم يمكن أن يتفادوا الأزمة الناتجة عن إيقاف إنتاج النفط، ولكن الحقيقة التي من المحتمل أن تبرز للوجود أنهم لم يدركوا خطورة القرار بعد، فمن المتوقع أن يصل عدد من يحتاجون للغذاء بدولة الجنوب خلال العام الحالي إلى (8.3) ملايين ومع تزايد العنف من المتوقع أن يرتفع العدد على الرغم من أن حكومة الجنوب كانت قد تحصلت على قروض تصل قيمتها إلى (100) مليون دولار أمريكي الشهر الماضي من دولة قطر و(500) مليون أخرى لم يتم الكشف عن مصدرها، وفي ظل الوضع الهش وعدم وجود بادرة لتنفيذ مشروع الأنابيب البديل في الأفق القريب فالمحلل الاقتصادي بشركة (مابل كروفت) بلندن المختصة في تحليل الأزمات روب بورثويك يرى أن نقل النفط عبر مناطق وعرة وغير مستقرة ينطوي على مخاطر كبيرة وأن رجوع تصدير النفط عبر الشمال وتقليص العائد أفضل من لاشيء. وحذر الكاتب من أن أستمرار الأوضاع على ماهي عليه سيؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي وزيادة الفقر والذي من شأنه زيادة العنف بكلا الدولتين وأنه دون التعاون التام بين الشمال والجنوب ستكون الدولتان غير قادرتين على الاستفادة من أمكاناتهما الكاملة الأمر الذي يهدد بحدوث مزيد من التدهور سيما وأن الاستثمار الأجنبي مهدد بسبب العنف.