ذكرتني القرارات والإجراءات الاقتصادية الأخيرة التى أعلنت بقصة شهيرة للرئيس الأمريكى ريغان مع أحد مستشاريه الاقتصاديين، فقد أراد ريغان أن يزيد من نسبة الضرائب على المواطن والشركات الأمريكية فاعترض عليه المستشار ونصحه ألا يفعل قائلا له إذا فعلت ذلك ورفعت الضرائب بهذا الشكل سيكون العائد أقل وعندها سينخفض منحنى الضرائب بصورة سالبة جدا لأن الناس سيتخذون وسائل أخرى لتفادي الضرائب – وهو سلوك قانوني - أو ربما التهرب من الضرائب – وهو غير قانوني – فاستجاب الرئيس ريغان لنصيحة مستشاره وعليه أطلقت الصحافة الأمريكية على ذلك القرار (منحنى ريغان) ومن يومها لم يجرؤ رئيس أمريكي على رفع الضرائب أكثر من المعدل المعقول. إن نصيحة مستشار ريغان قامت على قانون مشهور فى علم الاقتصاد وهو قانون العائد المتناقص (Law of diminishing return) ويعني أنك كلما زادت نسبة الضرائب كلما قل العائد فى المنحنى وهو شبيه بقانون المنفعة المتناقصة (Law of diminishing utility) أي كلما زدت استهلاكك فى منفعة واستهلاك لسلعة معينة كلما قل انتفاعك منها مثل شربك للماء يمكن أن تكتفي بكوب أو كوبين فتقطع عطشك ولكن إذا زدت من شرب الماء لا يمكنك أن تشرب أكثر حيث تقل منفعتك من الماء فتمرض.. (ربما ينطبق هذا أيضا على ممارسة الجنس بصورة غير شرعية ولهذا نهى عنه القرآن الكريم). وبمناسبة ريغان هذا هناك طرفة شهيرة له فقد قام بتعيين أحد خصومه ومعارضيه الأشداء فى منصب رفيع عندما أصبح رئيسا فاستغرب أصدقاؤه وسألوه لماذا فعلت ذلك فأجابهم ريغان مازحا: let him have a sip (دعوه يأخذ شفطة من كوب العصير)!! أخشى على هذه الإجراءات أن ينطبق عليها قانون العائد المتناقص فقد علمت أن الزيادة التى فرضت على الدولار الجمركي قد يؤدي الى عزوف كثير من المستوردين جلب بضائع بالحجم السابق مما يؤدي الى سلبيتين هما نقص العائد من الجمارك وكذلك ارتفاع الأسعار محليا بسبب الندرة المتوقعة. ولعل هذا ينطبق على ديوان الضرائب إذ سمعت أن هناك كثيرا من رجال الأعمال ربما يمارسون إما تفادي الضرائب بعدم العمل والخروج من السوق وربما تحويل أعمالهم للخارج كمصر ودبي حيث التسهيلات فى العمل المصرفي أو تقليل الأعمال تدريجيا وفى كلا الحالين سيقل العائد من الضرائب. أرجو أن ينتبه صناع القرار الاقتصادي لهذه الظواهر قبل فوات الأوان. كنت أتوقع من السياسة النقدية خاصة فيما يتعلق بسياسة النقد الأجنبي أن تكون هناك مرونة أكبر وحرية أوسع للمصارف والصرافات فيما يتعلق بحركة العملات الحرة داخل وفيما بين المصارف فالشاهد أن من يمتلكون العملات الحرة من مغتربين ورجال أعمال لا يجدون تسهيلات كافية حيث يمنع بنك السودان من سحب العملات الحرة بنفس نوعيتها ويصر أن تشتريها المصارف بالسعر الرسمي فى حين يعلم صاحب العملة أن السعر الموازي أكبر من ذلك بكثير فيحتفظ بها فى خزينته أو تحت البلاطة أو يذهب للقاهرة أو دبي ويفتح حساب بالعملة الحرة ويستلم بطاقة السحب الالكترونى يستغلها وقت يشاء وفى أي مكان فى العالم بالعملة الحرة أو يبيعها لشخص داخل السودان بالسعر الموازي فيفقد الاقتصاد السوداني احتياطيات كبيرة من العملة الحرة. (يقال إن هناك أربعين مليار دولار بالخارج)!!. أذكر فى بداية الإنقاذ وفى المؤتمر الاقتصادي الأول قلت للذين كانوا مع التشدد الاقتصادي والسياسة النقدية لدرجة الإعدام فى تملك الدولار لا تفعلوا ذلك واتركوا الجنيه حرا فتفقدوا ثقة الناس ورجال الأعمال فقالوا لي إذن سيصبح الدولار عشرين جنيها!! فقلت لهم بهذه السياسة المتشددة سيتخطى الدولار حاجز المائة جنيه فاستغربوا جدا واعتبروني أمزح ولو قلت ستة آلاف ربما اعتبروني مجنونا!!.