بات واضحاً أن آثار الضائقة الاقتصادية على المواطن أكبر مما يتوقعه الناس، ومن حسابات الحكومة وتقديراتها، وأولى علامات تلك الآثار بعد الاحتجاجات المسموعة في الأماكن العامة، وامتداداتها في المظهر العام، فقدان رائحة صناعة (الأبري) في الأحياء، والتي تسبق شهر رمضان المعظم من كل عام والذي تبقى له أقل من ثلاثة أسابيع، فيما كان في السابق الإعداد لشهر رمضان يحس به الناس بصناعة الأبري قبل شهرين من قدومه برائحته المعروفة عندما يمر بالشوارع والأزقة بالأحياء السكنية. ربما تنكشف الأحوال بصورة أفظع في موائد رمضان على الطرقات العامة، وربما اختفت ظاهرة المعازيم في هذا الشهر الفضيل الذي يعد موسماً للاجتماعيات، ولقاء الأهل في إفطاراته، بعد أن اختفت مناسبات اجتماعية راسخة في المجتمع السوداني نسبة للضائقة المعيشية في الخرطوم، مثل (السمايات، وكرامات السفر والقدوم)، حيث إن شراء الذبيحة صار من خامس المستحيلات لأصحاب الدخول المحدودة والجيوب المقدودة والذين يلونهم، أو أنها سوف تعجز ميزانية الأسرة. فكيف يصنع الأبري، ورطل الهبهان (60) جنيهاً ورطل الفلفل الأسود "30"جنيهاً، رطل القرفة "10"جنيهات ورطل الجنزبيل "10"جنيهات، ومثلها ارتفعت أسعار الذرة، والكركدي، والحلبة، والعرق الأحمر، والكمون، بجانب الحطب أو فحم العواسة، وغيرها من المواد المعينة، فالتقشف الأسري يبدأ بالتخلي من صناعة الأبري لأعظم شهر، فيما أن تقشف الحكومة لم يبدأ بعد حيث لم تزل الحكومة مشرورة على حالها، وعريضة بمناصبها، وكان الناس يتوقعون أن تبدأ الحكومة بنفسها. بالمناسبة إن الأبري يحتاج إلى السكر، والسكر لم يترك عادته القديمة وهي أن يرتفع سعره بسبب وبغير سبب عند اقتراب شهر رمضان المعظم حتى منتصفه، والتجار يشيلون وجه القباحة بتعليق الزيادات في رقابهم، ولكن هذا العام الحكومة بذات جلالها زادته زيادة خرافية بلغت أكثر من (50%)، والحقيقة المرة أنها تقف وراءها كل عام. إن أهم سواقط ميزانية الأسرة والتي تعرضت إلى انهيار حقيقي، بند المحسنات الرمضانية ومن بينها الأبري، وبند السفر، والملبس، والترفيه، ، وبنود العلاج إلا للضرورة القصوى، وربما الحقت ميزانية بعض الأسر بندي المدارس الخاصة، والإيجارات في بعض الأحياء التي تحسب أنها غالية، إنه عام الرمادة كما قال وزير المالية.