اتذكر جيداً يوم عواسة الابري أو الحلومر ، فحينما كنت صغيراً كان اعتكف كل عام في بيتنا في ذلك اليوم التاريخي الذي تعبق فيه أجواء المنزل برائحة الابري التي لا تخطئها أنف، اتذكر جيداً توافد الجارات إلى منزلنا وقيامهن بمساعدة والدتي في عواسة الأبري قبل شهر كامل من حلول شهر رمضان الكريم ، ففي ذلك اليوم المشهود كنت اضرب عن اللعب مع الانداد في الشارع واعتكف في البيت وأقوم بقضم طرقات الابري اللينة طيلة اليوم متلذذاً بطعم الأبري الذي يبهج اللسان دون أن أصاب بأي مغص ، ولعل الأبري ، الذي يتكون من دقيق الذرة، الزريعة ، القرفة ، الكركدي ، الشمار ، الكزبرة ، الهبهان ، القرنفل، العرديب ، البلح ، القورنجال وبهارات أخرى لا أذكر أسمائها، يحتوي على خصائص غذائية وعلاجية عجيبة لم يكتشفها السودانيون بعد ولم يكتشفها العالم حتى تاريخ اليوم! ولأنه لا يُمكن إرسال الابري من السودان إلى الدوحة بالبريد السريع أو بالفاكس ، ولأن التجار السودانيين بالدوحة لا يحضرون مستلزمات المناسبات الهامة إلا في اللحظات الأخيرة أو ربما بعد فوات الأوان ، فإن لي في كل عام معاناة عجيبة في الحصول على الابري الذي اعتبره ملك المائدة الرمضانية بلا منازع داخل وخارج السودان. في العام الماضي وقبل حلول شهر رمضان بأسبوع ذهبت إلى أحد المحلات التجارية السودانية بمدينة الدوحة علني احظي بشراء كمية معتبرة من الابري السوداني الذي لا تبتل العروق ولا يذهب الظمأ إلا به بعد يوم طويل وحار من الصيام ، دلفت إلى داخل المحل وقابلت البائع الهندي الجنسية وحينما سألته : أنا عايز أبري ، سألني باللغة البتانية الفصحي " "إنتا يبغي تمباك" ؟ وبعد أن يئست من إفهام البائع الهندي أخذت منه هاتف صاحب المحل واتصلت به وبحمد الله طلع الراجل سوداني وليس هندي ، وبعد إجراء الكثير من الوعود والاتصالات والمقابلات الشخصية تمكنت في نهاية المطاف من شراء وحيازة كمية معتبره من الابري لكن بعد مرور عدة أيام من شهر رمضان وعندها قلت معزياً نفسي " لئن يصل الأبري متأخراً خير من ألا يصل أبداً"! في هذا العام وقبل عشرة أيام من حلول شهر رمضان الكريم ذهبت إلى ذات المحل ووجدت في هذه المرة بائعاً بنغالياً وحينما سألته : ابري يجي ؟ رد على "ابري في المطار ، هو يجي أنا يسوي تلفون" واعطاني رقم هاتفه الجوال ، رجعت إلى منزلي بفردة واحدة من خفيّ حنين ثم اتصلت عشرات مرات بالبائع البنغالي العزيز وفي كل مرة كان البائع البنغالي يرد ببرود عجيب""ابري في المطار ، هو يجي أنا يسوي تلفون" وأخيراً حل شهر رمضان دون أن أظفر بطرقة واحدة من الأبري السوداني اللذيذ ولا أدري حتى هذه اللحظة متى يخلص الابري إجراءات الدخول في مطار الدوحة ويتم الافراج عنه لكي يصل إلى البائع البنغالي الذي اتصلت به قبل خمس دقائق من لحظة إرسال هذا المقال فرد علي بنفس البرود البنغالي العجيب "ابري في المطار هو يجي أنا يسوي تلفون" !!!!!!!! sara abdulla [[email protected]]