من يصدق أن أعلى مرتب في الدولة يساوي ثلاثة آلاف ضعف أدنى مرتب؟!! بمعنى آخر مرتب محافظ البنك المركزي مثلاً يعادل ثلاثة آلاف ضعف مرتب خفير مدرسة أساس في مدرسة نائية بإحدى الولايات المهمشة، بينما فرق الأجور في اليابان (30) ضعفا فقط... هذا ما كشفه مؤتمر (موجهات ضبط وترشيد الإنفاق الحكومي وفقا للائحة الشراء والتعاقد ولائحة الإجراءات المالية والمحاسبية) الذي نظمه مركز الفيدرالية للبحوث وبناء القدرات بقاعة الصداقة، أمس الثلاثاء، والتي نبهت الى أن عددا مهولا من موظفي الدولة يتقاضون أموالا طائلة من الدولة. هذا الوضع الشاذ جعل ثروة البلاد تتمركز في فئة قليلة في المجتمع بعد أن كانت موزعة توزيعاً جغرافياً يحفظ التوازن المجتمعي في البلد، الأمر الذي أدى إلى استشراء الفقر بصورة مزعجة، وصار معظم الموظفين في الدولة مستحقي زكاة كما قال البرلمان ووالي جنوب دارفور الذي أوردت عنه الصحف في وقت سابق قوله إن أكثر من (90%) من موظفي ولايته يستحقون الزكاة. كما أن هذا الوضع الشاذ جعل مجموعات معينة تتقافز من موقع إلى آخر بطريقة تبادلية من غير أن تفسح المجال لآخرين أن يجلسوا في مقاعدهم، بل قد تجد شخصا واحدا يحتفظ بأكثر من ثلاث وظائف حكومية على شاكلة رئيس أو عضو مجلس إدارة، او مستشار لأكثر من جهة، وغيرها من المسميات التي تدر الدخل الوفير لمجموعات محدودة ومتحكمة على كل شيء... وما تبادل الكراسي في تشكيل الحكومة إلا نموذج من ذلك التحكم الذي نبهت إليه الأوراق التي قدمت في المؤتمر، ويجب الأخذ بنتائجها للخروج من عنق الزجاجة (الضائقة الاقتصادية). أعتقد أن سبب ذلك أن الحكومة ركزت عند ملء الوظائف القيادية في الدولة على معيار معرفة الشخص، وانتمائه، وليس معيار الكفاءة والمقدرة على العطاء في المجال المعين (والناس على دين حكوماتهم)، فمثلاً الحكومة أتت بأشخاص كانوا في الخارج (مغتربين) لملء وظيفة معينة من غير أن يخضع لمعاينة أو معيار تنافسي معين بحيث يحس شاغل الوظيفة أنه حال إخفاقه في شيء هناك من يحل محله، بالتالي يأتي الشخص البلاد وهو يحلم بمخصصات أكبر مما ظل يتقاضاه في الخارج، وعلى هذه الشاكلة تمددت الأجور والمخصصات التي أحدثت هذا الفارق الكبير في الأجور.