توقفنا بالأمس في الحديث عن الأجواء المشحونة والمتوترة للقمة الأفريقية التاسعة عشرة بسبب الصراع الذي دار بين زوما وبينج في القمة السابقة وبسبب ظاهرة البيع العلني للسيادة الأفريقية التي دشنتها رئيسة ملاوي عندما حاولت تحطيم قرارات الإتحاد الافريقي والقاضية بإهمال قرار الجنائية فيما يتعلق بالرئيس عمر البشير. رئيسة ملاوي ستنال مقدارا ضئيلا من الوعد الأمريكي (ال 300 مليون دولار) ... هؤلاء الغربيون لا يعطونك (كاش) في يدك ... يعطونك قائمة بكشف الحساب لما وفروه لك بناء على الأسعار التي يحددونها هم ... على النحو التالي ... هذا الدعم فيه مبلغ كذا سيأتيك في شكل إغاثة على عشر سنوات ومبلغ كذا ضمن برنامج دعم التعليم مجدول على 15 سنة ومبلغ كذا منح دراسية و مبلغ كذا للعاملين عليها (موظفين امريكان وعملاء) ... لتكتشف الحكومة الملاوية في النهاية أنها قبضت الريح. لقد أصرت ملاوي على عدم تقديم الدعوة للرئيس عمر البشير ولذلك قرر الإتحاد إلغاء القمة وخسرت ملاوي التضامن الافريقي وظنت أنها ستربح 300 مليون دولار وتخسر رجلا واحدا وهو عمر البشير. في الحقيقة هي لن تخسر رجلا ولا شعبا مثل الشعب السوداني لقد خسرت ما هو اعظم من هذا وأغلى وهو إستقلالها السياسي وإرادتها الحرة. ولكن على اقل تقدير لقد كانت رئيسة ملاوي صريحة وحددت أن مشكلتها هي الخوف من ضياع المال ولم تنسج اقاصيص وحكايات حول حبها الأزلي لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية التي تدافع عن إنسان دارفور (زعموا) ... لقد قالتها بصراحة وعلى بلاطة ... دايرين قروش ..! ترشيح جنوب افريقيا للسيدة زوما (وزيرة الداخلية الحالية) سببه الأساسي هو التخلص منها لأنها صارت من أقوى مراكز القوى في الحزب ومهدد حقيقي للإستقرار في جنوب أفريقيا بالنسبة للرئيس زوما (بعلها السابق) ومجموعته التي ترفل في نعيم البزنس. أضف إلى هذا أن مجموعة (سادك) التي تتزعمها جنوب أفريقيا تدعم زوما خوفا من قطع المعونات وليس حبا للسيدة زوما. وهذا نوع من أنواع البيع السياسي لا يختلف كثيرا عما فعلته (الباندا). فنيا وإجرائيا هنالك أخطاء كبيرة منها ما ذكرها الكاتب ميهاري مارو في مقاله على موقع الجزيرة الوثائقية: ومما يدعو إلى الرثاء والسخرية في انتخابات الدورة الحالية، أن بعض الدول الأعضاء أرسلت فقط أسماء المرشحين دون أن ترفقها بالوثائق والمستندات الضرورية ومسوغات الترشح, مثل السير الذاتية والرؤية التي يفترض أن يحملها كل مرشح ومبررات تقدمه لهذه المناصب. كما أن أغلب المرشحين الحاليين هم من الاستشاريين أو الموظفين الذين عملوا أو ما زالوا يعملون في وظائف جارية في مفوضية الاتحاد الإفريقي، أي أنهم يرشحون أنفسهم لشغل هذه المناصب..... يمكن القول إن الانتخابات المقبلة للمفوضية غير معبرة، ولن تكون لنتائجها أية قيمة أو أهمية في ظل الإجراءات والترشيحات التي تمت من خلالها. وباختصار، وفي ظل عدم جدية أهداف الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، وفي ظل غياب قدر من الاهتمام بمكانة ودور المفوضية من جانب الدول الأعضاء، فإن انتخابات مفوضية الاتحاد الإفريقي لن تكون تنافسية بالدرجة التي تكفي لإخراج أفضل القيادات الإفريقية التي يمكنها تزعم مسيرة القارة نحو المستقبل.)