فى الوقت الذي تمسكت فيه الحكومة السودانية بأولوية الوصول إلى تسوية في الملف الأمني قبل الخوض في بقية الملفات بينما تلح جوبا على أهمية الاتفاق على تعريفة عبور النفط لضمان تدفق عائدات البترول، لكن من الواضح أن أهمية كل ملف تكمن من واقع الحاجة الماسة للدولة التي ترغب في حسمه فالخرطوم تسعى لتأمين حدودها مع الجار الجنوبي الذي ظل يشكل مصدر تهديد دائم لها عبر دعمه لحلفائه من الحركات المسلحة إضافة إلى أن مغامرات جوبا غير المحسوبة. وترى الخرطوم لابد من وضع حد لها ولو عبر مواثيق تقيها من الهجمات المفاجئة مثل ماحدث في هجليج ولكن جوبا بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية لها تسعى لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ألمت بها لضمان در عائدات النفط إلى خزانتها الخاوية والتي في ذات الوقت تحتاجها الخرطوم هي الأخرى التي تنامت فيها المشكلة الاقتصادية. طاولة التفاوض وبالرجوع إلى أوضاع البلدين والملفات العالقة التي تشهد تذبذباً نجد أن الوطن بشقية دخل في احتراب كادت أن تشتعل فيه الحرب على طول الحدود بين الشمال والجنوب عقب اعتداء الجنوب على هجليج إلا أن قرار مجلس الأمن الأخير (2046) بشأن الدولتين أفلح في إعادة الطرفين إلى طاولة التفاوض ومنذ أن بدأت جولات التفاوض الحالية بأديس أبابا لازال كل طرف متمترس حول موقفه لإحراز هدف في مرمى الطرف الآخر وبالرغم من ذلك نجد أن الروح الجارية بأديس والتقاء الرئيسين بقمة الاتحاد الإفريقي وتكرارها في اليوم الثاني شكل مؤشراً جدياً تجاه معالجة القضايا العالقة، ويدعم ذلك رغبة الطرفين في التوصل لحل ينهي أزماتهما الاقتصادية ويساهم في انسياب السلع والخدمات وحركة التجوال كما أن معالجة موضوع النفط يسهم في حلحلة الأزمة الاقتصادية لاسيما موقف حكومة الجنوب لكن ما يعمق تلك التحولات والحلول هو إمكانية حل المشاكل العالقة كحزمة واحدة لكن دون أدنى رتوش أن أي اتفاق بين الخرطوموجوبا ستنعكس مخرجاته على معارضي الطرفين من الحركات المسلحة لجهة الدعم والدعم المضاد لكل طرف لذا يبدو من غير المستبعد أن تستخدم الدولتان تلك الأطراف ككرت ضغط لإحراز تقدم كما أن الجماعات المسلحة ربما تصبح ضحايا اتفاق الدولتين. خسران كبير المعطيات تشير إلى أن الطرفين في طريقهما للوصول إلى تسوية بحسب حديث مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية د.خالد حسين ل(السوداني) الذي اعتبر أن الضغوط على الطرفين أعادتهما إلى التفاوض لاسيما الحركة الشعبية أو حكومة جنوب السودان، بيد أن خالد يرمي الشعبية بالوقوع في هفوات أغضبت المجتمع الدولي خاصة بعد أن تحامقت بقفل آبار النفط دون وضع حسابات لما ينتج عن ذلك والتي اتضحت فيما بعد أنها أكبر الخاسرين، فقد دخلت في أتون أزمة اقتصادية بالغة التعقيد ارتفعت على إثرها كافة أسعار السلع بالجنوب وبلغت أسعار الوقود مستويات فلكية ومما زاد من تعقيد الأزمة قيام الخرطوم بقفل الحدود مع الجنوب ومنع تسرب السلع إليها بل ارتفعت وتيرة التصعيد تجاه مهربي السلع إلى الجنوب بلغت حد التهديد بالقتل، لكن الشعبية لم تجد من يناصرها من الدول الغربية تجاه أزمتها التي صنعتها يداها كما أن ذات الدول التي كان من المتوقع أن تدعم دولة الجنوب الوليدة هي الأخرى تعاني من تداعيات الأزمة المالية العالمية. حوار استراتيجي عد الكثير من الخبراء أن تهيئة الأجواء الحالية تسير في اتجاه فكفكة القضايا العالقة كما قال مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية د.خالد حسين إلا أن المحلل السياسي د. محمد حسين أبوصالح قلل من الوصول إلى تسوية بالشكل الذى تسير عليه المفاوضات الآن مبيناً عدم جدواها وطالب في حديثه ل(السوداني) بضرورة التفكير في حوار استراتيجي عميق بين البلدين في ملفي الأمن والنفط ولم ير حسين أن هنالك إشكالية من مناقشة النفط قبل الأمن لجهة أن القبول بحوار حول النفط يمثل ضرورة للبلدين لتأثيره على الأوضاع الاقتصادية على شطرى الوطن لذا لابد من معالجة أزمة النفط ومن ثم الانتقال لحوار استراتيجي يحقق المعادلة لكافة الأطراف. عدم الثقة ثمة مؤشرات أخرى تبدو في غاية الأهمية ساعدت البلدين على العودة للتفاوض تأتي على قمتها الضغوط الدولية من مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي الذي أحال الملف إلى أروقة المجلس كما الأوضاع الاقتصادية التي تشهد تدهوراً يوماً بعد يوم هي الأخرى التي كان لها تأثيرها على الأطراف فيما يرى مراقبون أن هنالك أبعاداً أخرى هي تنامي الشعور لدى شعبي البلدين بأن الانفصال رغم حدوثه إلا أن الحرب لم تقف بعد بل يذهب البعض إلى أن الحزبين الحاكمين في الشمال والجنوب لايمكن أن يتعايشا سوياً في ظل تشاكسهما المستمر، لكن ربما أن هذا يشكل صداعاً آخر للدولتين وقد لاتجدى معه مسكنات البندول والتكتيكات الوقتية وهي توجه مجلس الأمن في قراره الأخير الذي شارف على الانتهاء. ويرى د. خالد حسين أن تلك الضغوط هي التي ساهمت في لقاء الرئيسين وتكررت في اليوم الثاني لكن يرى خالد أن العقبة الأساسية التي تعيق تقدم المفاوضات وتبرر موقف الحكومة تجاه أولوية الملف الأمني هي عدم الثقة تجاه الحركة الشعبية وبحسب حديثه أن ذلك يعود لأسباب بعضها خفية وأخرى معلنة وما أن يتم الاتفاق على ملف إلا وتأتي الحركة بتوجه آخر غير معلن يحمل في طياته عكس ماهو سائد ومتفق عليه ويضيف مستطرداً " تنازلات الحكومة السابقة أصبحت لاتجدي مع الحركة" ويرى حسين أن قفل الحدود من قبل السودان ماهو إلا ردة فعل وكيد سياسي تجاه ما أقدمت عليه دولة الجنوب من اقتحام لهجليج التي بسببها تنامت الملفات وتباعدت المواقف بيد أنه يلفت إلى أن مهلة مجلس الأمن تشكل مشكلة كبيرة وتوقع أن يتم تمديد الفترة التي قطعها مجلس الأمن التي من المتوقع أن تنتهي في أغسطس حال وجود تحسن إيجابي على التفاوض إلا أنه لفت إلى أن أي مؤشرات عن عدم تقدم يذكر في ملف الطرفين ربما يؤدي بمجلس الأمن للتدخل ولكن خالد يلفت إلى أن التدخل ربما يكون في شكل عقوبات مستبعداً التدخل العسكري لكن في ذات المنحنى استبعد أبوصالح في إفادته ل(السوداني ) موقف محايد من مجلس الأمن مبرهناً على مواقفه السابقة في أبيي والمحكمة الدولية لكن أبوصالح رمى بأبعاد أخرى محذراً من حدوثها والتي يرى أنها مصالح لجهات خارجية تقتضي ضم المناطق الثلاث للجنوب بالرغم من إشارته إلى أنها ستأخذ وقتاً كما قضية الجنوب التي طويت أخيراً بانفصال الجنوب لذا يقطع بضرورة حوار استراتيجي يستبق الحل. ضرب خيال سارعت الحكومة لتنفي أي اتفاق لها مع دولة الجنوب بشأن رسم عبور النفط عقب أن رشحت أنباء تشير إلى الاتفاق على 8 دولارات عوضاً عن ما تمسكت به الحكومة ل 32 دولاراً فقد نفي وزير الخارجية علي كرتي توصل دولتي السودان وجنوب السودان لأي اتفاق بشأن رسوم عائدات النفط كما تردد أخيراً، وأضاف أن أي حديث حول أرقام تم الاتفاق عليها حول هذا الأمر يعد " ضرباً من الخيال " وأكد أن التفاوض حول وضعية النفط الجنوبي مازال معلقاً لحين اطمئنان الخرطوم على أن جوبا لاتشكل لها اية تهديدات أمنية باستضافة الحركات المتمردة أو بدعم المتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأضاف كرتي خلال تصريحات صحفية بمطار الخرطوم أمس الأول بعد مشاركته في أعمال القمة الإفريقية بأديس أبابا، أن التفاوض بين البلدين حاليا منصب على قضايا الأمن فقط والتي تعد أولوية لحكومة السودان، وأضاف أن فريق التفاوض لازال يتفاوض بذات ترتيبات الأولوية والتي حسب قوله لايوجد خلاف حولها، حديث كرتي يؤكد موقف الخرطوم لأولويات الأمن على ما عداه من قضايا عالقة. خسارة باهظة ويقول الخبير الاقتصادي، مدير الأمن الاقتصادي السابق د.عادل عبد العزيز في حديثه ل(السوداني)، إن الإحصائيات الاقتصادية تشير إلى أن البترول يمثل 98% من الإيرادات العامة لدولة الجنوب، والذي كان يشكل حوالي 50% من الإيرادات العامة في السودان الموحد قبل الانفصال، وأضاف أصبحت مساهمة البترول بعد الانفصال في الاقتصاد السوداني 27%، وفقاً لما رصدته موازنة حكومة السودان للعام 2012م، مقابل إيجار خط الأنابيب لحكومة جنوب السودان فضلاً عن إنتاج 115 ألف برميل من النفط يمثل استهلاك السودان من الموارد البترولية، وبحسب عبدالعزيز أن إيقاف النفط وتحطيم البنية التحتية له في كلا القطرين يمثل خسارة للطرفين، إلا أن خسارة جنوب السودان باهظة جداً لأنها دولة في طور التكوين لم تكتمل فيها الهياكل الاقتصادية مثل الضرائب والجمارك التي يمكن أن ترفع الموازنة العامة لدولة الجنوب عكس الأمر في السودان حيث توجد هياكل اقتصادية راسخة وقوية يمكنها تعويض الفاقد من الإيرادات البترولية بتدابير اقتصادية محددة، ويمضي عبد العزيز في حديثه قائلاً سينعكس الفاقد الإيرادي بالنسبة لجنوب السودان في إضطرابات اقتصادية وعسكرية لأن دولة الجنوب ستصبح عاجزة بعد وقت قصير عن سداد المرتبات للجيش الشعبي وهو ما زال جيشاً في طور التكوين يغلب عليه الطابع القبلي وبعيداً عن الانضباط، وأضاف بهذا يمكن أن يتمرد على قيادته بسبب عدم صرف المرتبات. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته