كسلا الأستاذ / عبد الكريم عبد العزيز الكابلي فنان مبدع موسوعي المعرفة وهو يغوص دائماً في اللجج المتلاطمة من العلوم ليستخرج لنا المرجان واللؤلؤ . إنه الباحث عن شوارد الكلم ونفيس الدرر لقد انتقى لنا من بطون كتب التاريخ العبارات الجزلة . وحينما تجول في بطون أعمال الشاعر الفذ توفيق صالح جبريل تلقف من بين ثنايا تلك الدرر رائعة كسلا وهي كشف لما كان يعتمل في نفس الشاعر من أحاسيس وخلد الشاعر " توفيق " المدينة الجميلة بحلو العبارة وأضاف إليها الكابلي حلو اللحن ليتمازج اللحن الطروب والكلمة المعبرة وليسحر قلوب العاشقين . نغم الساقيات حرك أشجاني وهاج الهوى أنين السواقي ومعروف أنه حينما يكون الشيء جميلاً تتعدد أسماؤه فكسلا في كتب التاريخ اسمها " التاكا " وفي لسان لغاتنا المحلية اسمها تولوس وام تقاق وفي اللغات الكوشية اسمها كسلا . كسلا التي خلدها الشعراء بانها " الساحرة " جمالا وكسلا التي خلدها المؤرخون بأنها "الساهره " على حدودنا الشرقية تردع الغازين وتقتسم لقمة العيش مع الفارين من ويلات الخلافات السياسية وكسلا لوحة بديعة تتشكل ضلوعها من نهر القاش وجبال التاكا وحدائقها الغناء إنها ابنة القاش وجنة الإشراق ويقول الأديب الراحل عمر الحاج موسى إن الناظر إلى جبال التاكا من " عل " ترى أنها كنهود الحسناء للحسناء وفوق جبالها نبع يسمى " توتيل " يتوضأ من مياهه العشاق وعلى قمة جبالها " شجر الإكسير " الذي يمنح الخلود للإنسان لذلك يستحيل بلوغ قمتها الملساء إنها مدينة الجمال والسحر ويتربع الشاعر الحلنقي على كرسي صدارة شعراء الأغنية الطروبة والحلنقي من أعماق كسلا أستظل بجبال التاكا ونهل من مياه توتيل ورسم خرير مياهها صورا زاهيات يتدفق " الحلنقي " عسجداً وهو يهيم في مروجها أحب كسلا فبادلته العشق " صوت السواقي الحاني " و " الفراش " " القاش " وحبيت عشانك كسلا " وتدافع الفنانون والشعراء صوب كسلا كل يذكر ليلاه يبحث عن معشوقته في وطن الجمال وفي أحد لقاءاتي مع الأخ والي كسلا ( محمد يوسف آدم ) اقترحت له أن يحيل المدينة إلى حدائق ويزرع الزهور لتصديرها إلى الخارج كما تفعل كينيا لأن كسلا بلده جذابة للمصطافين من السودان والسواح من الخارج وأنها ليست مدينة صناعية تستحق سفلتت الشوارع أن كرنيش القاش وتعليته أمر مهم للغاية لتأمين سلامة المواطن ولنصب جهدنا لإقامة الحدائق والمنتزهات الجاذبة بدلاً من " القصور الشامخات " " خمسة نجوم " ولنضع استراتيجية طويلة المدى لمدينة جديدة "غرب كسلا " لاسيما وأن المدن كسلا وطوكر ووقر أصبحت في " حفر " لعوامل التعرية وتراكم الطمي . كسلا هي وطن المراغنه وعلى هدى بركاتهم ينعم أهل كسلا بالاستقرار وكلمة ميرغني فارسية أطلقها علماء الفرس على جد المراغنة بمعنى " الشريف غنى " وتقول الرواية إن علماء الفرس حينما دخلوا مع الميرغني في جدل فقهي تكشف لهم غزارة علمه عندها أرسلوا له " الهدايا " فرفض الميرغني الهدايا لزهده وعفته فسموه " الميرغني " بمعنى " الشريف غني " وهم يقصدون غني النفس والى ذلك الرجل " الزاهد " ينتمي السادة المراغنة جاؤوا إلى السودان محملين بالعلوم ينثرون نور القرآن في غياهب هذا الوطن ونفوسهم مترعة بعزة النفس وصدق العبارة ولعل زهدهم عن بريق الدنيا ونشرهم للفكر الإسلامي وأدبهم العالي هو الذي حدا بالشعب السوداني للالتفاف حولهم والاهتداء بسلوكهم .والمراغنة عرفوا بأطروحاتهم الحضارية والبعد عن الإثارة واللجاجة والفتن ولنا في السيد / الحسن الميرغني أسوة حسنة وهو سليل أسرة استشهد أسلافها من أجل حماية المدينة وأهلها تميز السيد / الحسن الميرغني بعلمه الواسع والاعتداد بالنفس وكان رمزاً لايتجاوزه الباحثون عن عباقرة هذه المدينة وعمالقتها وكان " مزاراً " للقادة السياسيين لقد زهد " السيد الحسن الميرغني " عن الاحتراف بالسياسة بعد النضال الطويل ومحاربة الاستعمار وما أن غادر المستعمر البلاد حتى انكب للدروس والمنتديات الفكرية مع الصفوة والمتعلمين لايعرف المجاملة في النصح وحينما يطلب منه أحد مريديه ان يدعو له كان رده ان يطلب من الله . وحينما يشكو له عن سوء الاحوال الاقتصادية يطلب منه ان يجد ويعمل دون ان يسأل الناس وكان لايخدع المريدين ولايجمالهم في قولة الحق وكان يكره اساليب الدجل والشعوذة وله رؤيته في السياسة والسياسيين ويرفض ممارساتهم الخاطئة وكان يقود منتدى فكريا بمنزله ووراء جبال التاكا ارتبط اسم التاكا بالميرغني حتى أنه ما أن تذكر التاكا حتى يتقافز الى الاذهان اسم الميرغني لكأنهما اسمين لمعنى واحد لذلك يتصدر كرة القدم في كسلا التاكا والميرغني وكرة القدم لعبة شعبية وعالمية لا انتماء قبلي لروادها يشجعون الأداء المتميز والإبداع دون أن تؤثر عليهم الألوان الجهوية والسياسية والسيد الحسن شخصية قومية كان يشجع الأداء المتميز ويقف مع الحق مهما كان الثمن إنه كان كالطود وكجبال التاكا صامده لاتهزها قرارات النظم الحاكمة وحينما صادرت ثورة مايو حي الختمية قال عبارته الشهيرة ( خليهم يشيلوا الجبل كمان ).