بؤس قاتم، ووجوم قاتل، وحيرة خانقة بل مميتة، وصدمات موجعة يصحبها غبن وإبتلاءات كلها حطت برحالها بغتة على صدور فئة من أهلنا الغبش الطيبين المنغمسين في غياهب الحرمان، وتتوالي عليهم النكبات، والتي كادت تخنق أنفاسهم اللاهثة، وأنهالت عليهم كذلك سياط الغلاء والأسعار، فألهبت ظهورهم الصاخبة بالألم، وعبثت بجيوبهم المنكمشة، أمضيت الساعات مع هذه الفئة المغلوب على أمرها بإحدى ضواحي أم درمان، وللحظات بينهم كانت أذني تصغى لصيحات فلذات أكبادهم الحزينة الفاترة، التي كادت تدمي قلبي، كنت مع بقايا بشر تبحث لاهثة لفتات طعام يسكت أنين وصفير بطونهم البضة الخاوية، ولكن دون جدوى فتفاقم ضنك عيشهم، وهم يقبضون على جمر المعاناة الحارق! وجدتهم في عناق مع الفقر، ورغم ذلك توكلوا علي الخالق، فتوسدوا الصبر كغيرهم، ورطبوا ألسنتهم باليقين وبذكر الله، وبينما هم في هذه الدوامة الروحانية المترعة بالإيمان، وبعد أن طال بهم السهاد المضني، لاح في افقهم بريق أمل، وأنبثق نور خافت من التفاؤل المفرح!! من مقومات الحكم الراشد العادل هو الانشغال بالإنسان الذي كرمه الله فأحسن تقويمه، "وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم" بصناعة الإنسان وصقله تهدف لتسهيل حياته بتوفير غذائه وملبسه ومأواه، الحاكم العادل الراشد هو الذي يفيض قلبه مخافة بالله وترتعش أوصاله عندما يرى بأم عينه الفقر اللعين والبؤس المفزع يتوكآن علي عصا غليظة، يجوبان بها شوارع وأزقة أمارته، فيخفق قلبه، وتتلاحق أنفاسه، فيهرع مسرعاً شاهراً سلاحه لقتلهما، فهذا بكل صدق ما دأب عليه د. عبدالرحمن أحمد الخضر والي الخرطوم. رغم الكربة والضيق الاقتصادي الذي حل بمجتمع العاصمة القومية وإحقاقاً للحق فكانت العيون الساهرة تبصر لمحات واضافات إنسانية د.الخضر وكما نوهت العديد من الاقلام الإعلامية لمحاولاته الجادة، وسعيه الحثيث من أجل إسعاد الرعية، جهود عديدة يبذلها الخضر يزينها بما أنعم الله عليه من عطف وحنو على حال رعيته، ولسان حاله ينطق قولاً: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. لقد خط الخضر مشاريع حياتية معيشية تدخل السرور في نفوس كل من عبست الحياة في وجهه، أملاً أن تطبع البسمة الندية على ثغور الفقراء والمساكين، مشاريع ضخمة من العسير تدوينها لضيق المجال، لتسهيلات جمة للرعية في مجال الصحة والتعليم تفك من ضائقة المعوزين والمحتاجين، الذين أرقدهم جميعاً تحت ظل وارف "التأمين الصحي" كما خصص لهم أبراج الواحة وقفاً لهم، وقدم إفطار الطالب للطلاب المعسرين، وخصص لطلابنا بصات خاصة لترحيلهم وأزال الغبن الذي أصاب الرعية في تعذر الحصول على حفنة من السكر، فتوفر بالاحياء مدعوماً فهذه كلها أمواج من البشريات المفرحات وأفراح إنسانية يقف خلفها الراعي د.الخضر الذي فاض قلبه عطفاً ورأفة برعيته، فكلها خطوات جادة وصادقة. أخي الوالي: أقولها بصدق إن حراكك الإنساني هذا يجد التقدير من المجتمع والإشادة من الرعية ولكن لن ير هذا الحراك النور إلا إذا توفرت الآلية التنفيذية الصادقة والمتابعة الدقيقة، اليد الواحدة ما بتصفق!! فعليك برجال أفذاذ ينفذون المشاريع حتي تأتي الثمار وأكلها. أخي الوالي: لقد نبه الأخ المشير عمر البشير رئيس الجمهورية عبر خطابه في مؤتمر التعليم القومي لمعالجة ما تئن به حقيبة التلميذ التي تؤرق ظهره، وهي مثقلة بالمعرفة "المتخمة" فهي كما يعلم الجميع عبء ثقيل على ظهر فلذة كبدنا، ويعاني منها ظهره البض، وكثيراً ما تتسبب في إلتواء الظهر الأمر يحتاج لدراسة عاجلة، ولعلاج ناجع، دراسة يشترك فيها نخبة من التربيين وعلماء النفس والمدرسة والأسرة، والمركز القومي للمناهج ببخت الرضا، فهل من أذن صاغية لتنفيذ توجيه الأخ الرئيس وتزيل غبن الجميع؟ والله من وراء القصد حسين الخليفة الحسن خبير تربوي