نارُُ ونور - د. ربيع عبد العاطي عبيد * ينصِّب بعض أصحاب الأقلام أنفسهم قضاة على المجتمع، فلا يتردد أغلبهم من إطلاق النعوت والأوصاف على الغير بأنهم مستبدون ودكتاتوريون، علماً بأن الصفة قد تتلبس من أطلقها، وليس هناك أسوأ من الذي يدعي أن ما يكتبه هو الحق، أو ما يرتئيه هو الطريق المستقيم، وأن كل ما عداه باطل محض وضلال عظيم. * والغريب أن الذين ينحون هذا المنحى لا تجد بينهم من يحتمل أذىً، أو يحتسب عند حلول مصيبة، كأن ما يكتب لا سبيل للتعقيب عليه، إذ نرى كيف يتذمر الصحفيون عندما يفتح بحقهم بلاغ، بسبب أنهم قد شككوا في نزاهه وأمانة جهة معينة * في الوقت الذي قد بدؤوا فيه المعركة، وأثاروا قضية كان صاحبها في سلام من القيل والقال، فإذا بهم يوقعون أنفسهم في حبائل المشاكل التي قد تتخذ مسارها مباشرة إلى ساحات القضاء. * وليس هناك مانع أن يتصدى المخلصون من الكتاب، والمنتسبون لبلاط صاحبة الجلالة للقضايا المختلفة، شريطة أن يكون الاستيثاق بالدليل والبرهان، لمن يتناولون سيرته منتقدين وقادحين. * وبالمثل على من ارتضى لنفسه من الكتاب هذا الدور، أن يحتمل النتائج، فإذا ثبت صدق قوله، ومضمون ما سطره ليطلع عليه الرأي العام، فإن في ذلك محمدة وإصلاحاً للأفراد، ومحافظة على مؤسسات الدولة وأموال الشعب، أما إذا كان الادعاء المكتوب، والرواية المسطرة على صفحات الصحف، قد ثبت ضلالها ، واستبان كذبها، فإن مدعيها عليه أن يكون شجاعاً لتحمل التبعات، حيث لا يستقيم أن ينبري شخص لإشانة سمعة الأفراد والهيئات دون علم أو هدى أو كتاب منير، ثم من بعد تكون نتيجة ذلك لمن قال القول، أو كتب المعلومات، ولولة، وشقاً للجيوب، ولطماً للخدود. * والمستبدون بالرأي نجدهم يبيضون ويفرخون في مجالات مختلفة، ومنهم من ينطلق لممارسة الاستبداد عندما ينصب رئيساً على مجموعة سياسية أو مدنية، ومنهم من يمارس الدكتاتورية والرأي الواحد، عندما تقذف به رياح التغيير ليصبح مديراً أو وزيراً على طائفة من النَّاس، حكمت عليهم الأقدار بأن يكونوا مرؤوسين لا رؤساء. * ودكتاتورية الرأي، لا تثمر في الغالب والأعم إلا خطلاً في التقدير، وفشلاً في المصير، وما أسوأ وأبشع المصائر التي لحقت بالمستبدين في آرائهم ، والمتحكمين في إصدار القرارات بصفة منفردة، ذلك لأن الرأي لا يكتمل إلا عندما يستعين المرء برأي أخيه. * وما ضر الفراعنة والأباطرة شيئاً أكثر من استبدادهم وكانت بطانتهم تخشى من الإفصاح عن ذلك الاستبداد تجنباً للبطش والقهر، فضحوا بآرائهم في سبيل متعة مادية لا تقوى على الاستدامة والاستمرار. * والرأي أولى بالبذل والصدح قبل شجاعة الشجعان لأنه في المقام الأول وهي في المقام الثاني.(الرأي قبل شجاعة الشجعان ،هو أول ٌ وهي المقام الثاني).