مطرف وميان.. رسل بمهام مفتوحة!! تقرير: هبة عبد العظيم-لينا يعقوب كانت العلاقات متوترة للغاية بينهما، لكن قبل أن يمضي الشهر الثالث بقليل، تداركت وزارة خارجية دولة جنوب السودان الموقف وسارعت بقبول مطرف صديق سفيراً للسودان في جوبا. ولأن الأجواء كانت سيئة بين الدولتين فقد مارست صحافة الجنوب ضغوطاً كثيفة على حكومتها لترفض صديق بحجة أن اختياره يعد مؤشراً لشكل العلاقة "الأمنية" التي تريدها الخرطوم والتي تتركز على جمع المعلومات أكثر من إقامة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية. غير أن قيادة وحكومة جوبا، كانت تعلم أكثر من غيرها ما للرجل من مقدرات على تحريك المياه الراكضة وتهدئة النفوس الثائرة، ولعل عدداً من المراقبين يتذكرون ما أدلى به رئيس الجمهورية المشير عمر البشير حينما زار الفريق سلفا كير جوبا في أكتوبر من العام الماضي، حيث أعلن أن التمثيل الدبلوماسي بينهما سيكون رفيعا وستدفع كل دولة بشخصية معروفة تليق بالمنصب، ومما لا شك فيه أن الأمر دل على رغبتهما في الارتقاء بالعلاقة في كافة مستوياتها. ويبدو جلياً أن سفير دولة الجنوب ميان دوت دول لم يحظَ بذات الزخم الذي حظيه د.مطرف صديق فهو الطبيب والمتطوع، رجل المخابرات والمستشار، الوكيل والوزير، المفاوض والسفير. تتعدد المناصب إلا أن الرجل واحد. فى المقابل فإن حكومة الجنوب اختارت شخص يعرف الشمال جيداً فهو ابن أم درمان وتلقى تعليمه بالخرطوم، ويحظى بثقة سلفا شخصياً بحكم قرابته به. عندما اختارت الحكومة د.مطرف صديق ليكون سفيراً لها في دولة جنوب السودان وعاصمتها جوبا فإنها اختارته لعدة أسباب ربما يكون أقواها لأنه أحد أهم أعضاء وفد الحكومة التفاوضي في أديس، وهو خبر نيفاشا وعاش تفاصيلها ويعلم خباياها، يحاول الآن برفقة آخرين حلحلة أعقد القضايا العالقة بين البلدين في النفط، الحدود، أبيي فضلاً عن الترتيبات الأمنية وذلك خلال الجولات التي تنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. مدى الأهمية تعيينه في منصب سفير يعكس مدى أهمية الجنوب بالنسبة للسودان، حيث كلما أختير سفير من ذوي الوزن الثقيل كلما زادت الاهتمامات والمصالح المترابطة، وفي ذلك يقول الناطق باسم الخارجية العبيد أحمد مروح ل(السوداني) إن مطرف غير أنه شخصية ذات وزن إلا أنه يتمتع بمهارات أخرى وتربطه علاقة مباشرة مع القيادات الحاكمة سواء كان الرئيس أو الوزير كما أنه خبر ملف الجنوب والتعامل معه وهو بذلك أفضل من سفراء آخرين سيبدأون بتعلم العلاقة من جديد، وقال "هذه ميزات إضافية لمطرف، هو شخص واصل مع قيادة الخرطوم". يتمتع مطرف بالوضوح، رأيه الذي يقوله في العلن هو ذات الرأي الذي يدلي به في الاجتماعات المغلقة. من الشخصيات المؤمنة بأهمية بناء علاقات استراتيجية مع الجنوب حتى إن قدم السودان بعضاً من التنازلات.. قبل أن يتم اعتماده سفيراً في جوبا، يعد مطرف من القيادات المقلة جداً في توجيه الاتهامات لقيادة جوبا ودائماً ما يجنح للتفريق بين الجنوب والحركة الشعبية.. وإن قام بتوجيه أي من الاتهامات فإنه لا ينسى أن يتحدث عن أخطاء الحكومة فهو يعتبر أنه من غير المنطق أن يتعامل السودان مع الجنوب بصورة متكافئة لأن الأخير لازال في طور التأسيس. الطبيب الجوال هو ابن جامعة الخرطوم والمنتمي للحركة الإسلامية، فور أن تخرج في كلية الطب، التحق بوزارة الصحة الاتحادية عام 1980 وعمل فيها لأربع سنوات لينتقل بعدها للعمل بالمجال الطوعي الصحي في إفريقيا عام 1985 في فترة امتدت لست سنوات، بعدها قررت رئاسة الجمهورية تعيينه بجهاز الأمن الخارجي عام 1992 حتى 1996، ومن ثم صدرت توجيهات رئاسية بتعيينه نائبا لمدير جهاز الأمن لمدة عام واحد، وفي عام 1998 عين مستشار السلام برئاسة الجهورية، ثم انتقل لأروقة وزارة الخارجية وعين سفيراً لمدة عام، الأمر لم يستمر كثيراً حيث تم تعيينه وكيلاً للوزارة، وفي منصبه هذا باشر عمله مع عدد من الوزراء مصطفى عثمان إسماعيل، ولام أكول ودينق ألور. غير العمل التنفيذي كان مطرف يقوم بأعباء سياسية عديدة، فقد شارك في جولات التفاوض مع الحركة الشعبية منذ عام 1992 حتى اليوم حيث كان موجوداً في (نيروبي، أديس أبابا، أبوجا، جنيف، نيفاشا)، وقاد وفد الحكومة في جولات الحوار السوداني الأوروبي ورأس اللجنة الثلاثية لمعالجة الأوضاع في دارفور ونشر القوات الهجين. يقول نائب والي ولاية نهر النيل ووزير الزراعة علي أحمد حامد الذي زامل مطرف في مفوضية السلام، إن مطرف رجل خلاق وله مبادرات عديدة كما أنه إنسان شوري بدرجة كبيرة "يأخذ ويعطي مع الآخر"، وأكد في حديثه ل(السوداني) أنه يتمتع بالتزام مؤسسي كبير جداً معتبراً أنه أنسب من يكون سفيراً لدى دولة الجنوب، فحسب علي حامد لازالت دولة الجنوب تعتبر دولة استراتيجية بالنسبة إلى السودان وهناك تاريخ وجغرافيا وحدود وأشياء أخرى كثيرة ستبقى موجودة مهما ساءت العلاقة في وقت من الأوقات مع جوبا مضيفاً أن مطرف يستطيع أن يتعامل مع هذه المعطيات المختلقة كما أن أهم ما يميزه اتصاله المباشر مع القيادات الحاكمة في الخرطوم.. مطرف لم يخشَ أن يبدي قلقه بمهمته الجديدة فقد أعرب لإحدى الصحف أنه قارب على الستين ويخشى بعد أن اقترب من هذا العمر أن لا ينجح في المهمة بالشكل المطلوب. مميزات عديدة في المقابل فإن أول سفير لجنوب السودان في الخرطوم يبدو أقل خبرة في مجال العمل الدبلوماسي سمته حكومة دولة جنوب السودان ممثلا ليكون اول سفير لها بدولتها الأم ربما لعدة مميزات اجتمعت بشخصية الرجل أبرزها توجهه الوحدوي وتمتعه بعلاقات طيبة تجمعه مع كثير من القيادات بحكومة الشمال وخصاله الشمالية التي تميزه خاصة المجاملات الاجتماعية التي أكسبته حب واحترام غالبية العاملين معه بالمؤسسات والوزارات التي عمل بها وزيراً لعدة أعوام بولاية الخرطوم قبل الانفصال ،فيما لم يخفِ تطرفه لأفكار ومبادئ الحركة الشعبية على أحد إلا أنه استطاع الفصل جيداً بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي ،يوصف بأنه "ود أمدرمان "بكل تفاصيل الوصف وتباهيه .عقب الانفصال وذهابه لجنوب السودان لم يتقلد منصباً رسمياً إلا أنه يبدو كان يجري تحضيره ليكون ممثلاً لدولة الجنوب بالسودان . ميان دوت وول ولد وترعرع بأم درمان الثورة الحاره 19 في العقد الثالث من عمره يتحدث العربية بطلاقه درس المرحلة الثانوية بامدرمان الاهلية تخرج في كلية التربية جامعة جوبا أكثر ما يميزه وسامته وأناقته المفرطة وهو متزوج وأب لعدد من الأبناء وعاشق لكرة القدم . تنحدر جذوره من قبيلة الدينكا بولاية واراب ببحر الغزال وتجمعه صلة قرابة برئيس دولة الجنوب الفريق سلفاكير ميارديت بأمه ، يتقلد والده منصب والي بإحدى ولايات دولة جنوب السودان .كان مثالا للكادر النشط بالخلايا النائمة للحركة الشعبية بالخرطوم خاصة وسط الطلاب قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م ،عرف عنه وفقا لمصادر مقربة منه تحدثت ل(السوداني) نشاطه الزائد وسط الحركة الشعبية قطاع الشمال ووصفته المصادر بأنه أكثر تطرفاً في أفكاره من رفيقه عضو الحركة الشعبية بالمجلس التشريعي بولاية الخرطوم المتشدد بول رينق غير أن شخصية ميان دوت كانت تجمع ما بين روح الدعابة والشراسة والقوة في ذات الوقت رغم الهدوء الذي يطغى على مظهره وتوجهه الوحدوي وتأثره بكثير من الخصال الشمالية.. كان لا يتنازل على الإطلاق عن مبادئ الحركة الشعبية. اتسمت علاقته مع الجميع بحكومة الولاية بالود حيث وصفه غالبيتهم بأنه شخص لماح وزكي يتميز بعلاقات واسعة مع قيادات شمالية ..عرف بأنه هادئ الطباع وقليل الكلام لكنه سريع الانفعال وكثيراً ما كان يمرر ملاحظته في ورقة مطوية يحملها ساعي المجلس على تقرير أداء لوزارة أستعرض بتشريعي الخرطوم لزميليه بول رينق وبطرس كوت فبحكم موقعه التنفيذي لا يستطيع إبداء ملاحظته لزميل له بالجهاز التنفيذي فكان يمرر ملاحظاته لرفيقيه في الحركة الشعبية أعضاء التشريعي بهذه الطريقة . احترام وصدام حينما عين في العام 2008 وزيراً للصحة بولاية الخرطوم إبان مشاركة الحركة الشعبية لجنوب السودان في الحكم قبل الإنفصال استطاع أن يحظى باحترام وثقة العمال والموظفين بالوزارة كان كثير الانشغال بتوفيق أوضاعهم المالية وحريص جداً على التواصل معهم بالمشاركة في جميع المناسبات الاجتماعية سواء كانت أفراحاً أو أتراحاً ويقول كثيرون إنه كان يغضب حين لا يتم إخطاره بمناسبة اجتماعية تخص أحد منسوبي الوزاره ،أما على صعيد إدارة الوزارة فقد برزت خلافات حادة بسبب عدد من القضايا في عهده خاصة في ملف صندوق الدواء الدائر والتي يقال أن دوت لعب فيها دوراً سلبياً جداً حتى تدخلت رئاسة حكومة الولاية وحسمت الملف وأجبرت دوت بطريقة معالجتها بأن يكون متسامحاً ورغم ذلك لم تخف شراسته،ونظراً لحداثة تجربته في العمل التنفيذي كما يقول محدثي رئيس القطاع الصحي بمجلس وزراء الولاية د.محمد عبد الحليم صار ميان يصدر عدداً من القرارات اصطدمت كلها بالموجهات العامة لحكومة والي الخرطوم د.عبد الحليم المتعافي حينها وفي مقابل ذلك لم يكن يمرر أي قرار من الجهات العليا دون دراسته وإبداء رأيه فيه وإن بدا مخالفاً لتخطيط حكومته .كل تلك الأسباب دفعت بحكومة المتعافي إلى سرعة نقله إلى وزارة الحكم المحلي بالولاية ، إلا أنه كغيره من وزراء الحركة الشعبية المشاركين بالحكومة لم يكن له دور أو نشاط واضح في العمل التنفيذي بالإضافة إلى انشغاله بالتنظيم ووفقاً لمصادر تحدثت إليها (السوداني) فإن ميان كان كثير السفر إلى الخارج تاركاً تنفيذ مهامه للمدراء العامين بوزارته .