.. شيء ما ينتابك عندما تمعن التأمل و التفكير في رجل مثل الأستاذ علي عثمان محمد طه .. النائب الأول لرئيس الجمهورية وأحد أهم رجلين شكلا بجهدهما وشخصيتهما تاريخ الحركة الاسلامية السودانية الحديثة باسلامها السياسي وانفتاحها المجتمعي الذي مثل بدوره انقلاباً في تاريخ ومسيرة ونهج الحركات الاخوانية الاسلامية التي خرجت من عباءة التنظيم الدولي بقيادة الشهيدين حسن البنا وسيد قطب .. فللرجل بتاريخه الطوبل في الحركة مميزاته التي أبانها وأكدها بجدارة واقتدار في اعقاب تحفظ عدد من قيادات الحركة الاسلامية الكبار بصف الحركة الأول آنذاك والذين تحفظوا بكثير من الأدب والحكمة وهم يتفهمون رغبة زعيم الحركة الدكتور حسن الترابي بوضع دور ووظيفة الشاب علي عثمان أمام دورهم ووظيفتهم التنظيمية بالحركة وقد عاد جل هؤلاء في أوقات لاحقة ليؤكدوا سلامة القرار وحكمته اعتباراً للقدرات الخاصة والعالية لطه بجانب ما تحقق منه بربط واقع وتاريخ الحركة بمستقبلها وأجيالها القادمة .. .. وقد مضى الرجل ليؤكد يوماً بعد يوم بأنه الأمين على عروة وعقيدة الجماعة وفكرها ونهجها بمثل ما أكد على قدراته القيادية التنظيمية والتنفيذية فيما انتزع بشخصيته الجادة وأسلوبه المنهجي والواقعي احترام القاعدة الاسلامية التي نظرت اليه دوماً على اعتباره الخيار الأفضل بين قيادات حركتها بل وقدمته دوماً باعتباره الرقم البديل لشيخ الحركة ومؤسسها الدكتور الترابي اذا ما حدث وغاب الأخير عن الساحة السياسية بالبلاد وبالرغم من كل ما دخلته الحركة الاسلامية من مناجزات وخصومات ومعارك ضارية مع الحركات والقوى السياسية السودانية الأخرى .. فقد ظل علي عثمان يتمتع بقدر كبير من الاحترام وسط قيادات وقواعد هذه القوى نظراً لشخصيته التي تميل لاحترام وتقدير الآخرين وقد عف لسانه عن توجيه الجارح من تعبير الكلام لجميع خصومه الذين شهدوا له مراراً بخصلته النبيلة هذه مؤكدين على احترامهم وتقديرهم الكبير له وهو أمر انفرد به الرجل عن معظم قيادات الحركة الاسلامية بتاريخ ملاسناتهم ومعاركهم المشهودة مع خصومهم السياسيين .. وفي سنوات متقدمة من تاريخه و خلال الفترات القليلة الماضية أطل علي عثمان طه ( كما أسمته القنوات الفضائية ووكالات الأنباء الدولية ) بوجهه على العالم والمحيط الدولي عبر دوره البارز في ايقاف حرب الجنوب بين شمال السودان وجنوبه كأطول حرب شهدتها القارة الأفريقية في عصرها الحديث حيث أسهم الرجل بالدور الأكبر عبر اختراقاته وجولاته المارثونية مع زعيم ومؤسس الحركة الشعبية الجنوبية الراحل جون قرنق الذي وقع معه على اتفاقية نيفاشا الشهيرة وبالرغم من ما رسمه الرجل لشخصيته ( عقب توقيع الاتفاقية ووقف الحرب ) داخل الدوائر الدولية المهتمة والراعية للاتفاقية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي الا أن بريق الرجل الذي طالبت له بعض الجهات بجائزة نوبل للسلام في عام توقيع الاتفاقية بدأ يخفت بالداخل تدريجياً على نحو انسحابي غريب وربما كان مريباً للبعض بينما وقفت تلك الدوائر الدولية على مسافة حزرة من محاولة الدخول في تفاسير هذه الحالة الانسحابية بعد أن توقعت للرجل دوراً كبيراً وهاماً وسط فعالياتها الاقليمية والدولية هذا فيما اتجهت تفاسير الداخل لتنسج على خيالها ما شاءت من مبررات وتأويلات بلغت لحد اليقين عند بعضهم بوجود انشقاق صامت داخل الجسم الحاكم تم عبره الاطاحة بدور الرجل واقصاؤه لصالح مجموعات أخرى أصبح لها القرار والسلطة الحقيقية في ادارة شئون السودان في أعقاب توقيع اتفاقية نيفاشا والوصول مع الجنوب لصيغة تصالحية نهائية مثلت فيما يبدو لهؤلاء آخر مهمة حقيقية لعلي عثمان ليوضع دور الرجل من ثم على هوامش الفعل السياسي والقرار الحقيقي للدولة ولعل هذه القراءة التي يعبر بها هؤلاء عن فهمهم لما يدور بمناطق صنع القرار السياسي بالبلاد هي الأقرب الي فهم الغالبية من المراقبين للشأن السوداني كما وهي الأقرب من تحليلات الأكثرية بالداخل عطفاً على ما تم رصده من أحداث ومواقف سياسية غاب فيها دور طه بل وتصادم مع فقه وعقل آخرين شكلوا بنفوذهم معالجات تلك الأحداث والمواقف الا أن التصادم ظل صامتاً على نحو يتماهى مع طبيعة علي عثمان وميله الفطري للمعالجات الصامتة والهادئة حتى وان أخذت هذه المعالجات زمناً طويلاً وربما طويلاً جداً وهي مهارة اكتسبها الرجل وتدرب عليها مذ كان يافعاً حيث تعلم على يدي معلمه وشيخه الدكتور الترابي كيف ينسج الفكرة ويصبر على نسجها ثم كيف يخرجها ويصبر على اخراجها لمن حوله حيناً على شكل أوامر تنظيمية يوزعها بنفسه وهو يرتدي رداء الثانويات القصير يجول ( وشمس مايو الحارقة على رأسه ) علي العضوية المستهدفة ويملي على كل دوره ومهمته أو في أحايين أخرى وفي مراحل أخرى يمررها عبر اللقاءات المفتوحة والخاصة مستخدماً ذكاءً حاداً في الاستقطاب وكسب المواقف والآراء وأيضاً مستعيناً بصبر يحسد عليه وبتؤدة تفوق حد الملل وتقطع على الصابر صبره وجلده .. هكذا تعلم وهكذا استخدم ما تعلمه بمهارة عالية وعلي عثمان رجل وكما يصفه البعض يعتبر جبلا من الجليد عندما يواجه المعضلات وعندما يواجه الخصوم حتى أن بعضهم أطلق في قاع المدينة طرفة تقول بأن أحدهم اذا ما حدث ووقف أمام الرجل ووجه له السباب والوعيد والتهديد لم يجد منه سوى هز رأسه من أعلى الى أسفل ( كما يفعل دائماً ) موافقاً ذاعناً كمن لا حول له ولا قوة حتى اذا ما أكمل المسب سبابه وخرج مكفهر الوجه يتطاير شرار عينيه بدأ الرجل في معالجة الأمر بهدوء يحسد عليه .. نعم هذا هو علي عثمان محمد طه الذي عرفته الحركة الاسلامية الا أن جملة تلك التفاسير حول وضعية الرجل الآن ودوره في مناطق صنع القرار ليست هي كل ما احتملته وحملته وتحمله الآن بعض أدمغة الاسلاميين فمن هؤلاء من يؤمن لا زال بنظرية توزيع الأدوار التي بدأت سيناريوهاتها بانشقاق رمضان الشهير الذي يراه هؤلاء انشقاقاً كاذباً خرج بمقتضاه زعيم الحركة الدكتور الترابي ليؤدي مهمة أخرى تدفع بعلي عثمان ( كقائد تنظيمي - حركي للجهاز التنفيذي للحكومة ) الى خارج نطاق الخطر متجاوزاً الحصار الدولي والخصومة العربية ومخترقاً لآفاق الاقتصاد والاستثمار الاقليمي والدولي ناقلاً أقدار سفينة الانقاذ التي أوشكت على الغرق الي بر الأمان السياسي والاقتصادي وهو ما حدث بالفعل بوجود الترابي بالخارج وعلي عثمان بالداخل .. !! .. .. والمتدبر والمتأمل الآن للخارطة السياسية السودانية يخرج ومنذ الوهلة الأولي بقراءة مدهشة وغريبة .. فعلى الحكم الآن رجال وأبناء الدكتور الترابي وعلى المعارضة الآن رجال وأبناء الدكتور الترابي وقد أصبح الرجل بالفعل يحكم ويعارض وان صحت نظرية هؤلاء وهي بالفعل الى تركيبة وعقل الترابي ودهائه أقرب فان علي عثمان يكون قد أدى ما عليه بنجاح يفوق حد التصور بل ويفوق حد الخيال خاصة اذا ما كان العالمون والمحيطون بتدبير الترابي الماكر في شأن انشقاقه الكاذب هذا لا يتجاوزن أصابع اليد الواحدة ويتضاعف ذلك اذا ما قل العدد من أصابع اليد الواحدة بأصبع واحد الى أصبعين بينما يستحق علي عثمان أكثر من ذلك اذا ما صدق ظن البعض في أن أمر الانشقاق الكاذب تدبير تم بين رجلين الله ثالثهما أولهما هو الدكتور الترابي وثانيهما هو الأستاذ علي عثمان محمد طه .. .. والدنيا رمضان يا جماعة وضعوها علي ولكن لا تقولوا كذب ابن لقمان ولو صدق .. !!! خالد حسن لقمانE:mail: ellogman@ yahoo.com