لأن شيخنا كما يقول الخواجات (perfectionist) قمة في الجودة وآفاقي النظر - أضاف من المذاقات والألوان ذات الدلالات العميقة والمعاني المترعة التي شكلت مجموعتنا بشخوصها وميولهم المتجهة إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج الكثير - وأي رحلة حج ؟ سأعود إليها لاحقاً بكثير تفصيل مدهش - أما أنا فقد سعدت بحظي الذي انتقاني من منظومة الإدارة والتنظيم لأقوم بالمهمة وأصطحب الركب البديع. كنت شبه موقن أن هذا الشاب القادم من جنوب كردفان الذي استلمت وثائق سفره دون أن أراه لن يستطيع اللحاق بطائرتنا التي تغادر بنا مباشرة من الخرطوم إلى المدينةالمنورة عند صباح اليوم التالي ، ونهار هذا اليوم قد انتصف وهو لم يتحرك من كادقلي بعد ،،، أن أجريت اتصلاً تلفونياً به (أداء واجب) وتهيئةً لنفسي للإجابة على سؤال شيخنا المتوقع عن من حضر ومن غاب، ونحن تفصلنا عن المغادرة ساعة زمن، وأنا أهم بالحديث مع الشاب (أندو) آسفاً على شاكلة (القدم ليهو رافع) فإذا هو يفاجئني بأن قدمه قد رُفعت وهو الآن على مشارف مطار الخرطوم ،،، لتنتفي كل الأسباب مهما كانت مع نداء المنادي الحق والصدوق. جميعنا لاحظ تجرده وتواضعه والتزامه بالتوقيتات التي كنا نتفق عليها للخروج لأداء الفرائض والشعائر، وفوق ذاك إدارته المخلصة والدفيئة للمجموعة التي وكل بها أميراً والتي شملت فقيهاً جليلاً، وسيدة فاضلة لا تقوى على المسير إلا بواسطة الكرسي المتحرك وابناً لها من مبدعي بلادي ، إضافة إلى شيخ كبير كان عاملاً بسيطاً اختاره الله إلى جواره عقب إكمال فريضته الخامسة ،، أوقف (أندو) نفسه لخدمة مجموعته تلك طيلة هذه الأيام المباركة : إيقاظاً ومساعدةً ومناولة أمتعة ، واطمئناناً على مأكلهم وصحتهم ، وكان متفاعلاً وحيوياً مع دروس فقيهنا ومداخلات شيخنا، وهميماً بتنظيم حلقات الذكر والتلاوة، بل برزت له كثير من المواهب المتعددة وألطفها براعته في الحلق والتقصير فقد ساعد الكثيرين في أداء هذا النسك بما فيهم شيخنا. وما حديثي المشبع عنه الآن إلا أن صفاء تلك الأيام وبركتها أوثقت صلتي به وسكبت فيوض الود وأخلصت العلاقة بيننا وسمت بها عالياً وفي رب البيت ،، ثم أن مسيرة حياته رغم صغر سنه كانت مترعة بالعطاء منذ نشأته صبياً عند أهله نوبة كادقلي وإبان دراسته بجامعة أفريقيا العالمية وامتهانه لتدريس اللغة الانجليزية، وتوليه لتنسيقية الشرطة الشعبية ببحر الغزال الكبرى وجنوب كردفان، وعضويته لمكتبها التنفيذي المركزي، وصولاته وجولاته رفيقاً لمجاهدي وشهداء الأهوال والقعقاع وصيف العبور، إضافة إلى أدائه السياسي ومساهماته بالمنظمات الشبابية والطوعية التي أهلته ليتولى حقيبة الشباب والرياضة الوزارية في حكومة ولاية جنوب كردفان. غمرني السرور وربما لم أتفاجأ حين سكب المذياع في أذني خبر أن صديقي (الهادي عثمان أندو) نال ثقة المجلس التشريعي بولاية جنوب كردفان ونُصِّب رئيساً لهذا البرلمان في هذه الولاية الصامدة خلفاً للشهيد (إبراهيم بلندية) الذي اغتيل غدراً بيدٍ آثمة. عنيت وقصدت تسليط بعض أضواء كاشفة على ( الهادي آندو) لأنه يستحق وبجدارة ، فهو رمز شبابي أخاذ ، وهو من أبناء ولايته المؤمنين بقوة بقضية السلام والأمن ورفعة أهله ، ولأنه رفيق الزعيم الصنديد أحمد هارون الذي لن تناله رماح الكرتون، ولأن (أندو) ود حجتي ،، وإلى الملتقى .. .