إتفاقية نيفاشا جاءت تحمل خيراً وشراً.. خيرها في الإنفصال الذي أراحنا من سيفونة التهميش وظلم شعب الجنوب وإستعمار الشماليين للجنوبيين وشراً يكمن في ما يسمى قطاع الشمال الأعراض الجانبية للحركة الشعبية وشراً الألغام التي لم تنزع في فترة الإنتقالية ترسيم الحدود البترول الملف الأمني المشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق كل هذه خلفت قضايا بالغة التعقيد وصنعت احداثاً مدفوعة الثمن احداث كادقلي والنيل الأزرق وأخيراً إحتلال هجليج كل هذه التداعيات قادت أخيراً لطاولة التفاوض التي تجري في اثيوبيا تفاوض بفرمان من مجلس الأمن تفاوض لتسوية القضايا والمشكلات وبقراءة ورصد لما يجري في اجواء المفاوضات الحبلى بالمفاجآت كانت المفاجأة هبوط المتمرد عقار وبصحبته عرمان قادة قطاع الشمال فمجيء عرمان وعقار كان من تحت «رأس» أمبيكي الثعلب الأفريقي الذي هو ماء من «تحت تبن» فأمبيكي هو الذي خطط ورسم ودبر هذا التفاوض نيفاشا «تو».. فقد جاء عقار من تحت جلباب امبيكي جاء قطاع الشمال للتفاوض الحريات الأربع التي هي من أولويات القطاع والحصول على مشاركة سياسية فهذه هي اجندات القطاع.. ولكن كما يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة.. فالحكومة السودانية عند موقفها بتقديم الملف الأمني على كل الملفات فالملف الأمني يستهدف قطاع الشمال إذ أن القطاع مازال محتفظاً بالغرفة العاشرة والتاسعة وعقار مازال يحمل رتبة فريق في جيش الحركة الشعبية وعرمان هو الآخر يحمل رتبة عسكرية لذا يبقى أي تسوية سياسية مع القطاع لا تجدي فإذا كان القطاع حريصاً على التسوية السياسية فوجود عبد العزيز الحلو في التفاوض في غاية الأهمية لأن الحلو «أهم» فهو معني في الملف الأمني فما زال جنوده يحاربون الحكومة وكذلك عقار أما «عرمان» فهو تمامة جرتق فالملف الأمني يستوجب إنسحاب الفرقة العاشرة الى دولة جنوب ووقف الدعم العسكري لقطاع الشمال ووقف الدعم لحركات دارفور وطرد قادتها من الجنوب ومن بعد ذلك إلزام حكومة السودان بالعفو العام لمن حملوا السلاح ضد الحكومة وقتلوا وشردوا المواطنين الأبرياء ثم تسريح قوات القطاع وتوفيق اوضاعها ودمجها في الحياة المدنية فلا تسوية سياسية مع القطاع في ظل قوات مسلحة تتبع لقطاع سياسي فلا شىء يجمع بين العمل السياسي والعسكري. فأي تسوية تُجبر الحكومة للتنازل الذي يُبقي جيش لعقار في النيل الأزرق وجيش للحلو في جنوب كردفان هي تسوية إنهزامية وإزلال للشعب السوداني الذي وقف بصلابة مع الحكومة .. فالشعب السوداني لم يجتمع مثل ما إجتمع في احداث الدمازين وكادقلي وهجليج فلا يقبل الشعب ان تمرغ كرامته.. فلا يقبل بوجود جيوش غير الجيش السوداني.. وأما إذا أراد قطاع الشمال أن يمارس نشاطه كحزب سياسي فالحق مكفول له ولكن بمسمى غير مسمى «الحركة الشعبية» وبشرط ان يفك إرتباطه بالحركة الشعبية وذلك وفق ما جاء في قانون الأحزاب فالحركة الشعبية من بعد الإنفصال أصبحت حزباً أجنبياً وأما الحريات الأربعة فهذا شىء سابق لأوانه فالوقت غير مناسب لها ولا شىء يلزم حكومة بعمل حريات أربع مع دولة الجنوب ولا سيما في هذا الوقت.. فالشارع السوداني غير قابل لحريات الأربع فما خلفته هجليج جعل الشعب السوداني يوصد الباب في وجه هذه الحريات والباب البجيب الريح سدو وأستريح ولا بأس من التجارة الحدودية وعودة النقل النهري أما أن يعود عقار تحت جلباب امبيكي ليفرض اجندته فهذا شىء مرفوض وأفتكر أن الملف الأمني لن يكون سهلاً وحتى لو تم الإتفاق فتنزيله لأرض الواقع ليس بالسهل بسبب ان الحركة وقطاعها لن يلتزما وأجزم ان الحلو لن يسرح قواته وكذلك عقار وأنا شخصياً غير متفائل بأن يصل التفاوض الى حلحلة الملف الأمني فوجود عقار وعرمان في اديس ابابا سيزيد من تعقيد الملف.. فقطاع الشمال لا يريد حلول سلمية فليس من مصلحته الوصول الى حلول بالطرق السلمية وأشك في أن امبيكي جاء بهما لتعقيد التفاوض ليصل هو ومن ورائه الى فرض قوات دولية تحت البند السابع فكبير المفاوضين أمبيكي منحاز الى الجنوب وهو مجرد أداة لتنفيذ المخطط الأمريكي فطريق نيفاشا «تو» كثير التعاريج وملىء بالأشواك.. وصدقوني أننا لن نجني من هذه التفاوضات إلا مجموعة تنازلات.. فهذه المفاوضات بالنسبة لنا كمن يداوي الشلل بأقراص الفيتامين وكمن يعطي جريحاً قرصاً من «الفاليوم» كي يتخدر وينزف دمه كله والله المستعان..