الظهور المفاجئ لقياديَي الحركة الشعبية بالشمال مالك عقار وياسر عرمان بأديس أبابا الأحد الماضي كان حدثاً مثيرًا لدى الكثيرين، ولعل مرد ذلك أن رئيس لجنة الوساطة ثامبو أمبيكي أفصح عن خطابات رسمية لدولتي السودان وجنوب السودان طالبهما فيها بالانخراط في المفاوضات وفقاً لقرار مجلس الأمن «2046»، بالتزامن مع جولات مكوكية بين البلدين، دون الإشارة إلى قطاع الشمال، على مستوى الإعلام على الأقل، ومعلوم أن وفدَي التفاوض اللذين شرعا في المفاوضات منذ أول أمس الإثنين تمترس كل منهما حول أولوياته في العملية التفاوضية، ولكن ليس من بينها قطاع الشمال بصورة مباشرة، إذ أصرت الخرطوم على أولوية ملفات الأمن التي تتضمن بطبيعة الحال فك الارتباط مع قطاع الشمال الذي يحاربها في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بدعم من الجنوب بحسب الحكومة، بينما تهتم جوبا بقضايا النفط وموقف مواطنيها بالسودان، بالإضافة للحدود، وفي أول رد فعل لحكومة السودان أوضحت وزارة الخارجية عبر ناطقها الرسمي العبيد مروح في تصريحات صحفية أن وجود عرمان وعقار بأديس ليس جزءاً مما ذكره أمبيكي لهما، وفقاً لقرار مجلس الأمن فيما يتعلق بالفقرتين الخاصتين بالوضع الإنساني في الولايتين، وذلك في إطار التفاوض مع الوساطة، الملاحظ أن وجود قياديي القطاع جاء قبل بدء المفاوضات بيوم واحد، إذ قدِما لأديس بالأحد بينما تبدأ المفاوضات بالإثنين، فضلاً عن أن عرمان في حديثه للصحفيين بأديس امتنع عن التصريح بحيثيات المباحثات التي انخرط فيها القطاع مع الوساطة ، مشيرًا إلى أنه التزام وفقاً لصحف الأمس. مما يجدر ذكره أن القرار الأممي نص على أن تفاوض الحكومة السودانية قطاع الشمال وفقاً لاتفاق «نافع/عقار» المبرم في يونيو الماضي، الذي رفضته الحكومة جملة وتفصيلاً آنذاك وحالياً، وللتفاوض مع القطاع تشترط الأخيرة وضع السلاح وأن يتم التفاوض بصورة ثنائية وبعيدًا عن دولة الجنوب، فهل الخرطوم بمنأى عن الضغوط الدولية على نحو يضمن لها تحقق تلك الاشتراطات؟ ثم هل الموافقة على طلب الحكومة ببدء المفاوضات بدءًا بالملف الأمني كما تريد بحسب تصريحات لوزير الداخلية إبراهيم محمود، رغم إلحاح الجنوب على البدء بالنفط والحدود، جاءت هكذا جزافاً أم أن ثمة تنازلات ما غير معلنة قدمتها الحكومة؟ من جانبه يرى الكاتب المعروف إسحق أحمد فضل الله في زاويته الراتبة «آخر الليل» أن القبول بالملف الأمني يأتي مقابل إدراج هجليج ضمن المناطق الحدودية المختلف عنها، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة مرارًا، ومن ثم إغلاق النفط فيها، ليقف ضخ النفط بالسودان أسوة بدولة الجنوب. ويشير مصدر أمني آثر حجب هويته إلى أن المجتمع الدولي دفع بعقار وعرمان لأديس ليجري التفاوض بينهم والخرطوم عن طريق جوبا، بخصوص ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق باعتبارهما ولايات مهمشة، توطئة للوصول إلى نسخة جديدة من اتفاق نيفاشا «2005» فضلاً عن محاولات الدفع بالمنظمات الدولية إلى الولايتين عبر الإطار الإنساني، ولم يستبعد المصدر الذي استضعف موقف الحكومة أن تقدم على بذل تنازلات من قبيل العودة لاتفاق «نافع / عقار»، وفي ذات المنحى يمضي إسحق الذي ذهب إلى أن وجود عقار وعرمان بأديس بتدبير من يوغندا سعياً لنيفاشا جديدة تدفع بهما للقصر الجمهوري، ويؤكد مصدر آخر ذو صلة بالجيش الشعبي قطاع الشمال أن قيادات القطاع لا محالة ستتفاوض مع السودان وعبر حكومة الجنوب، مشيرًا إلى أن أمبيكي عمل على دمج الطرفين معاً، وأن الأخيرة في مفاوضاتها تسعى لضمان عودة القطاع للسلطة مرة أخرى، يذكر أن عقار وقبل تمرده بالنيل الأزرق كان والياً عليها، أما عبد العزيز الحلو الغائب عن أديس فهو خسر الانتخابات التكميلية بجنوب كردفان في منصب الوالي بموازاة نظيره أحمد هارون الذي رجحت كفته عليه، وكانت أخبار راجت قبل فترة عن تقديم المبعوث الأمريكي عرضٍ للخرطوم طرح فيه عودة ولاية غرب كردفان ليحكمها هارون بينما يحكم الحلو ولاية جنوب كردفان. وعلى النقيض من ذلك أبدى رئيس لجنة الأمن والدفاع السابق بالمجلس الوطني العميد محمد مركزو كوكو رؤية مفادها أن التطورات على الأرض التي انتهت بهزيمة دولة الجنوب في هجليج وهزيمة القطاع في تلودي وغيرها ستدفع بالأخير للتفاوض مع الحكومة وفقاً لشروطها، وأكد أن الحكومة لم تقدِّم أي تنازلات لقاء التأمين على موقفها القاضي ببدء التفاوض عبر الترتيبات الأمنية، باعتبار أن بقية الملفات متعلقة بالأمن، وأنه في حال تسوية قضية الأمن فإن قضايا النفط والحدود مقدور عليها.