أبي وشيخي الراحل اللواء/ بابكر علي التوم لم أجي اليوم لأبكيك فبعد رحيلك لم يتبق لي دمعة لأبكيك.. فقد نضبت محاجري فجف دمعها – فلم أجد من يعطيني دمعاً لأبكي.. فلكل من بعدك قد نفد دمعه – لم أجي لأعزي أهل بيتك.. فالعزاء شامل.. الكل يعزي الآخر.. شيخي ومعلمي بعد رحيلك أصبح الموت – له وجه آخر – وطعم آخر ولون آخر – فالموت بعدك غريب والوجه واللسان والفعال – معذرة – إن كانت كلماتي أقصر وأعجز من أن تعبر – فعام مرّ وأنت بعيد عنا – لم ترحل من ذاكرتنا – صحيح ارتحل الجسد - ولكن يقيني أنت محفور في الداخل – لم ترحل عنا – فبقيت فينا – قيمة إنسانية – وشموخ. شيخي بابكر أنا على يقين أنك تنام قرير العين في عالمك – تنام قريراً – لأنك كنت فينا – الإباء والعزة والشموخ – كنت فينا الرحمة والتراحم والطهر والطهارة – الشجاعة والجسارة – العلم والحكمة والرأي السديد – كنت فينا التواصل والرأفة والكرم – وكنت البيت المفتوح – والقلب المفتوح والعقل المفتوح – لسنا وحدنا – بل لكل من عاصرك وعرفك والتقاك – وحتى الذي لم يلتقيك سمع عنك حسن السريرة ونقاء النفس وسماحتها – فرحيلك عنا موت دنيا – موت مثل وموت مبادئ وقيم. أجي اليوم لا لأؤكد أنك الحكمة والرشد – فالكل يشهد أنك كنت وكنت – لكني جئت اليوم ومعي كل الحضور – الذي على كل واحد منهم مرارة حزن – مخبوءة تحت اللسان وفي سقف الحلق – حزناً مميتاً على فراقك. جئت لأشهد أنك كنت تصل رحمك وتحب أهلك – كنت تحب ودبلال مسقط رأسك – أشهد ماجلسنا الساعات الطوال وإلا كانت ود بلال في لسانك – كانت واصلاً لها – بنفسك ومالك ورأيك – لذا – أحبتك – كان مجيئك إليها إحتفالية لها – تلتقيك بصدر حنون – كأنك ولدها الوحيد – جئت لأشهد أنك ولآخر لقاء جمعنا في (الغرفة) المباركة – كنت تحدثني عن ود بلال – فما غابت عنك وأنت في المرض – وأذكر أنني سألتك عن هذا الحب لود بلال ولأهلك – فقلت لي – أنا لم أكن ولد على توم وحده – فأنا من جيل آخر.. فأعمامي كانوا آبائي – وأخوالي كانوا آبائي – فعرفت ساعتها – لماذا (كبار حلتنا) بابكر ولدهم جميعاً وليس ولد علي التوم – وود حاجة بخيتة – ولماذا هو المرجعية لهم في كل شيء – جئت أيها الراحل المقيم – لأشهد أن لا أحداً عندك يظلم – وأن أي معضلة عندك تفك – فما كنت يوماً لنفسك ولا لأهل بيتك وأسرتك الممتدة – كنت للكل – جئت لأشهد الجميع – أنك كنت مرشدي ومرجعيتي حتى في (عملي) – استشيرك وأجد عندك فصل الخطاب وحتى خاص (الخاص) أطرحه عليك – وأنا متيقن أني أجد عندك (الحل) – فكنت أقرب الناس إلى – وأشياء وأشياء بيننا – لذا كان هذا الحب الذي بيننا – فكنت عزيزي الراحل المقيم – معلمي ومرشدي وملاذي – وجدتك في كل المواقف وفي كل المحطات – وجدتك وأنا يافع أتلمس دروب الحياة – فمن غرفتك المبارك ورقة صغيرة منك – منحتني فرصة دخول القسم الداخلي بالمدرسة الثانوية – في زمان كان التعليم صعب والمعرفة قليلة والوعي مفقود – فكنت لنا السند والحافز والمرشد – عزيزي الراحل أعذرني فمن بعد رحيلك غبت عن الغرفة المباركة – لا لشيء غير أني ضعيف على المواجهة ما قدرت أن أدخلها وأنت غائب – فمعذرة فالجرح كبير – فحاشا لله – أن اكون قد نسيتك. جئت اليوم لأشهد الحضور – أنك لم تكن لواحد منهم – فأنت للكل – وهذا سر عظمتكم وهذا سبب حب الناس لك – فرحيلك رحيل أمة – ورحيل عالم. لا أظن أن الكلمات قادرة أن تعدد مآثرك ومواقفك فسلام عليك يوم ولدت ويوم رحلت ويوم تبعث حيا – وسلام عليك في الأولين والآخرين ودعائنا وأنت بعيد عنا – أن يتغمدك الله برحمته وبسكنك الفردوس مع الصديقين والشهداء – في سدر مخضوض وطلح منضود وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. اللهم أرحم بابكر وأغفر لبابكر. (وإنا لله وإنا إليه راجعون)