برامج التواصل الاجتماعي والراعي والرعية بأهدافها العريضة بالوفاء لأهل العطاء وللوطنيين الشرفاء الذين بذلوا وقدموا دون ضنّ أو منّ، وخرجوا منها بشرف وكبرياء وسجل نظيف مقدر استحقوا فعلاً التقدير والتكريم والاعتراف بما قدموا، وهذا يجد منا كل الرضا والقبول والتأييد.. ولكن ومن الواجب والأهمية بمكان العمل على اختيار الشخصيات المكرمة بأسس ومعايير سليمة وصحيحة مبينة على مسيرة الشخص الذاتية وعطاؤه وأخلاقه وطهارة يده وعفة لسانه ومواقفه الوطنية وإلا تتم بأي عاطفة أو موازين الولاء أو المجاملات والمعلومات السطحية التي تبعث المرارات، وقد تسبب الاستفزازات والاحتقار وتقلل من مفهوم الفكرة. سقت هذه المقدمة بعد أن استمعت لما نقلته إذاعة أم درمان بتكريم النقابي إبراهيم محمد خير في إطار البرنامج المعد، والذي شرفه بالزيارة الدكتور فيصل حسن إبراهيم وزير الزراعة والثروة الحيوانية، فقد أصبت فعلاً بالغثيان وتملكتني الدهشة، لهذا الاختيار فسجل السيد/ إبراهيم محمد خير معروف ومكشوف، وقطعاً لا يؤهله مطلقاً لتقدير أو تكريم، بل ربما يوهله في المستقبل للمثول أمام المحاكم والسجون. فقد كان رئيساً لنقابة العاملين بوزارة الثقافة والإعلام في بداية عهد الإنقاذ. ارتكب باسمها تلك المجازر البشرية في تلك الوزارة، فقد كنت شاهداً عليها وأنا المدير العام للشئون المالية والإدارية، فقد قام بتنفيذ أكبر فصل من فصول الإحالات للمعاش والصالح العام وتصفية العديد من الكوادر الإعلامية إلى منبر فائض العمالة. كل ذلك بخطابات وكشوفات كانت جاهزة ومعدة في جيبه، فكم من الأسر أبكى، وكم من زملاء العمل أدخل فيهم الحزن والغضب. أذكر تلك الواقعة عندما اتصل بي الأستاذ الشاعر محمد يوسف موسى، وكان وقتها مسؤولاً عن الإعلام والعلاقات العامة بوزارة العمل، وأبلغني برغبة الدكتور الطيب إبراهيم وزير شئون الرئاسة وقتها بإقامة يوم الخدمة بوزارة الإعلام بعد اتفاقه مع رئيس النقابة بالوزارة، وقمت بالإعداد الكامل ودعوة جميع العاملين لحضور اللقاء في الصيوان الكبير الذي أعددناه، وبدأ البرنامج هادئاً، وبعد فقرات قليلة بدأت صورة التآمر تظهر بفتح باب الحديث، طلب مني الطيب سيخة أن أعطي إبراهيم فرصة كاملة للتحدث، فقدم خطاباً معداً وملتهباً، تحدث فيه عن أسوأ صور الفساد في الوزارة، ونطق بأسماء المفسدين، ورفع بيده كمية من الأوراق. قال إنها مستندات خطيرة تحمل إدانة هؤلاء المفسدين، ونادى بالتطهير والبت، تناول بعده المايكفرون الدكتور الطيب وأعلن وبكل الحماس قرارات الثورة العذرية وعلى الهواء مباشرة أمام جميع العاملين.. قرار رقم واحد بإحالة فلان وفلانة وفلان وفلان للمعاش فوراً. قرار رقم اثنين إيقاف فلان وفلان عن العمل بدون مرتب، قرار رقم ثلاثة بتكوين لجان تحقيق ومحاسبة لفلان وفلان، وبعد مجزرة الطيب سيخة بأيام جاء القرار بترقية وترفيع الطيب إبراهيم محمد خير من الدرجة الثامنة إلى الدرجة الثالثة مديراً عاماً للشئون المالية والإدارية في أكبر قفزة تاريخية، ومرت سنوات ولم يتم سؤال الموقوفين عن العمل حتى جاء الدكتور أمين حسن عمر وكيلاً للوزارة، فكون لجنة عليا للتحقيق من ديوان النائب العام والمراجع العام وهيئة الإذاعة والتلفزيون وآخرين، واجتمعت اللجنة وطلبت من رئيس النقابة أن يقدم مستنداته التي ذكرها وبدأ في التهرب والزوغان وانتظروه طويلاً وحاصروه، فلم يقدم شيئاً فأصدرت اللجنة قرارها بعد ثلاث سنوات ببراءة الموقوفين. كان من بين من شملهم قرار الإحالة للصالح العام المخرج الكبير المرحوم أنور هاشم، والذي أعلنت براءته، وكان د. الطيب سيخة يقدم له الإعتذار كلما يقابله، هذه صورة كالحة لأسواء مثال يجد التكريم في بلد لا يفرق بين الغث والثمين.