كثير من السلع والبضائع بما فيها المواد الغذائية قد تسربت لأسباب كثيرة من بين يدي الرقابة والفحص الذي تقع مسؤوليته على الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، ربما بسبب ضعف أجهزة الرقابة والفحص، وربما ضعف الفعالية، وربما لأسباب أخرى من بينها الضغوط التي تمارسها الجهات المستفيدة على الهيئة كما حدث في سلعة السكر قبل عدة أشهر، وربما أيضاً تدخل أصحاب النفوذ في بعض الأصناف، ولعل قضية التقاوي التي شغلت الرأي العام زمناً طويلاً وما زالت تعد واحدة من هذه القضايا هذا بالإضافة لما حدث قبل ذلك في سلعة الإسمنت، أما عندما يكون الحديث عن الدواء كما هو موضوعنا اليوم، فإن الأمر لمختلف جداً، إذ أن الدواء منتهي الصلاحية يتسبب في ضررين في وقت واحد، الأول هو أنه لا يوقف زحف المرض الذي يسري في جسد المريض مستخدم الدواء، والثاني أن الدواء نفسه لديه آثار جانبية إذا كان صالحاً، دع عنك الدواء منتهي الصلاحية، أو ذلك الدواء غير المطابق للمواصفات، لذلك عندما عهد الدواء لمجلس قومي للأدوية والسموم تحت إشراف وتنسيق تام مع وزارة الصحة الاتحادية، وهيئة الإمدادات الطبية المسؤولة قانوناً عن توفير الأدوية، كان الغرض من ذلك المزيد من ضبط الجودة والرقابة، وكنت أرى أن ثورة وزارة الصحة الاتحادية ضد قرار وزير الصحة بولاية الخرطوم عندما أعلن عن قيام مجلس ولائي للأدوية والسموم كنت وما زلت أرى أنها ثورة في غير مكانها، ومعركة من غير معترك؛ إذ أنه من الصعوبة بمكان لوزارة الصحة الاتحادية أن تكون ملمة بكل شيء، ومجلس ولائي معين بالأدوية والسموم في ولاية الخرطوم يمكن أن يساعد كثيراً في ضبط هذه الأدوية، إذا تم التنسيق التام بينه وبين المجلس الاتحادي، وبينه وبين الجهات ذات الصلة بالأدوية، إلا أنها حرب المصالح التي أضرت بالبلاد كثيراً بعيداً عن مصلحة المواطن وصحة. التاريخ القريب يذكر جيداً ما حدث بشأن محاليل كور الهندية التي أقامت الدنيا ولم تقعدها، وفي الختام انتصرت المصالح لحق المواطن المغلوب، وتلك قضية أخرى جديرة أيضاً باستصحابها في محاربة الفساد، خاصة في مجال الأدوية. مناسبة حديث اليوم حول الأدوية والسموم واستيرادها هو ذلك الخبر الذي دعمته بتحقيق نشرته صحيفة المجهر السياسي الغراء بخصوص تسرب أدوية خاصة بمرضى الهيموفيليا إلى داخل مستشفى الخرطوم، وأنه دواء صنع في إسرائيل، ورغم تباين وجهات النظر بين المسؤولين وتنصل بعضهم عن المسؤولية قبل أن يكتمل التحقيق، ولكن هذا الدواء الإسرائيلي الصنع يثير قضية الخلل البائن في التنسيق بين الجهات المسؤولة عن سلامة المواطن، وإن صحت المعلومة وأظهرت نتائج التحقيق صحة المعلومة المنشورة يكون الضرر مضاعفاً، الأول أنه دواء منتهي الصلاحية، وله آثار جانبية، كما ذكر بعض المرضى الذين تعاطوه بأمر أطباء ومسؤولي مستشفى الخرطوم، والضرر الثاني يتعدى الصحة إلى اختراق جدارنا الذي أصبح هشاً بقفل عدم قيام كل مسؤول بدوره، وهو اختراق إسرائيل لبلادنا وإدخالها أدويةً أو هي عبوات وأغلفة، ففي نهاية الأمر يظل السؤال مطروحاً كيف دخلت هذه الأدوية لمرضى الهيموفيليا السودان.. وكيف دخلت مستشفى الخرطوم الحكومي.. وأين هي الإمدادات الطبية.. وأين هو المجلس القومي للأدوية والسموم.. وأين التنسيق بين هذه المؤسسات الصحية، والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، وأخيراً أين جمعية حماية المستهلك والدكتور ياسر ميرغني؟. ختاماً نقول إن مثل هذه الحادثة التي دخلت فيها إسرائيل ملعباً جديداً.. يجب ألا تمر دون مساءلة للقضاء العادل.. التساهل الكثير هو الذي أدى لمثل هذا الخلل، وإن لم يحسم سوف يغري آخرين كُثر في الانتظار.