عندما أثارت إحدى الصحف السودانية موضوع الدواء الإسرائيلي لمرضى الهيموفيليا بالمركز الكائن داخل مستشفى الخرطوم وجاء على لسان بعض المرضى أن الدواء قد جاء تأثيره سالباً على المرضى الذين تعاطوه، كتبنا في هذا المكان منبهين.. إن صدق الخبر.. إلى جريمتين الأولى أنه دواء إسرائيلي رغم المقاطعة التامة لكل ما هو إسرائيلي.. والثاني أنه دواء منتهي الصلاحية مما يجعل دخوله أمراً مخالفاً للقوانين.. والحمد لله جاءت الحقيقة ولكنها فعلاً مرة بأن المعروض ليس دواء وإنما فلتر يستخدم مصاحباً للدواء وأنه لم يعط لأي مريض ولم يسبب أضراراً لأحد.. ولكن ما هو أخطر من ذلك هو ما جاء في المؤتمر الصحفي لوزير الإعلام والثقافة ووزير الصحة الإتحادي والتأكيد على أن هذا الفلتر الذي تم عرضه هو فلتر واحد فقط ولم يكن له ثانٍ في أية جهة كانت وأن عرضه بهذه الكيفية وإطلاق الإتهامات على وزارة الصحة والجهات الأخرى المسؤولة عن إستيراد الدواء ومراجعته وضبط تسجيله من هيئة إمدادات أو هيئة مواصفات ليدخل موضوع الفلتر إلى مساحة أخرى من الصراع فيما وصفت بأنها عملية كيدية أحد أبطالها هو نائب رئيس جمعية مرضى الهيموفيليا.. الحادثة تعتبر غربية من نوعها ودخيلة بصورة غير عادية على مجتمعنا إذ أن الخلافات بين الأفراد والمؤسسات يمكن أن تصل إلى الحد الذي نسيئ فيه إلى سمعة مؤسسات ووزارات ومسؤولين لهم سمعتهم وعلاقاتهم الخارجية.. ولهم أيضاً مسؤولياتهم الوطنية.. كان غريباً فعلاً إخراج هذه المسرحية إذ أن الذي أراد أن يصفي حسابات شخصية إن صدقت الرواية لم يتمكن من الحصول إلا على فلتر واحد فقط لا ثانٍ له.. وقد تحدى وزير الصحة الإتحادي الجهات المدعية أن تقدم دليلاً آخراً على وجود مثل هذا الفلتر الإسرائيلي منتهي الصلاحية لجهات الإختصاص.. صحيح أن هناك بعض الثغرات في الرقابة على بعض السلع.. وصحيح أن هيئة المواصفات والمقاييس المسؤولة عن ضبط جودة أية سلعه تدخل البلاد ربما تتعرض الى ضغوط كثيرة لتمرير بعض السلع المشكوك في مواصفاتها كما حدث ذلك في صفقة السكر وصفقة التقاوي.. ولكن الصحيح أيضاً أن الدواء يدخل في دوائرة إختصاص جهة واحدة هي الهيئة العامة للإمدادات الطبية.. وهناك المجلس القومي للأدوية والسموم والذي يعتمد تسجيل الأدوية التي يجب أن تدخل البلاد وظل ذلك يتم تحت إشراف وزارة الصحة.... إذن في حالة الأدوية فإن الجهة المحددة هي التي تتحمل كل خطأ نتج عن دخول أدوية غير مطابقة للمواصفات ولكن من الدول التي لنا معها مثل هذه العلاقات التجارية وفوق تلك لأصناف الأدوية المسجلة والمعتمدة في السودان . لذلك يظل أمر التهريب في مثل هذه الحالات أشبه بالمستحيل وعندما يكون التهريب من إسرائيل تكون المسألة أكثر صعوبة .. لذلك تجدني أكثر إندهاشاً من أن المسائل الشخصية وصلت إلى الحد الذي لا يتورع المرء من إيذاء المرضى والوطن بكامله لابد من إجراء تحقيق دقيق وعاجل وأن تنشر وقائعه للرأي العام حتى ينال المذنب جزاءه ولإيقاف مثل هذا السلوك الذي أشك في أنه قد أنتشر وسط مجتمعنا الذي عرف بالكثير من الخصال الحميدة ..