المملكة المغربية... ملحمة ملك وشعب { بدعوة كريمة من وزارة الخارجية والتعاون في المملكة المغربية الشقيقة كانت زيارتي لأول مرة لهذا البلد الشقيق وسط حفاوة وكرم مطبوع، وبرنامج رسمي حافل، توقفت معه على الوجه الحضاري لهذا البلد الطيب أهله، وذلك من خلال لقاءات متنوعة وحافلة مع بعض المسؤولين المتنفذين، بالإضافة إلى معالم من المجتمع المدني المغربي. { ولقد رأيت أن أبدأ هذه السلسلة الحافلة بعد عودتي إلى أرض الوطن؛ حتى لا أُضيع على نفسي متعة المشاهدة واللقاءات في هذا البلد الطيب والتي أحسست أنني أتعلم منها الكثير. ولعل الملاحظة الأولى التي استوقفتني هي البساطة والتواضع مع كرم عربي أصيل. وأحساس قوي بوحدة وطنية يتماسك فيها الجميع خلف ملكهم ووطنهم، لتجد أينما التقيت من مسؤولين الحديث واحد لا يخرج عن برنامج تم الإجماع عليه بقناعة تامة. { التجربة المغربية في الحكم تتميز بحالة الرضاء التام والمعرفة الكاملة بقضايا الوطن، لا يختلف في ذلك ما يمكن أن يُسمى في المغرب مجازاً باليمين أو اليسار، فهناك حزب العدالة والتنمية، وهو حزب كما وصفه أحد قياداته الشابة السيد مصطفى الخلفي وزير الاتصال (الإعلام) المغربي والناطق الرسمي باسم الحكومة : « حزب سياسي مدني ذو مرجعية إسلامية» مع أن اسمه ومظهر قياداته تنم على أنه حزب إسلامي بالمعنى المصطلح عليه في عالمنا العربي، ولكن تبقى الحقيقة أن قانون الأحزاب المغربي يمنع تأسيس أي حزب على أساس ديني أو عرقي، فالاسلام في هذا البلد الشقيق كما يعرفه دستوره «هو دين الدولة، لا يصح أن تحتكره جهة معينة كما درجت الحال في بعض البلدان العربية»، وتوجد مؤسسة إمارة المؤمنين التي تقف على تدبير الشئون الدينية في اعتدال ووسطية، طبقاً للمذهب المالكي. { ثم هناك حزب التقدم والاشتراكية؛ الذي كان في السابق الحزب الشيوعي المغربي، بالإضافة إلى حزب الاستقلال؛ الذي تزعم عملية التحرير بقيادة المناضل علال الفاسي. ويُلاحظ أن هذا الحزب العريق والذي تأسس في ثلاثينيات القرن الماضي، وأنجز عملية الاستقلال لا يزال يحافظ على شعبيته ويحقق نجاحاً ملحوظاً دفع به إلى تشكيل الحكومة الماضية في عام 2007م، ثم المشاركة في الحكومة الإئتلافية الراهنة مع حزب العدالة والتنمية، وحزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية تاركاً خلفه حليفه السابق الاتحاد الاشتراكي، الذي اختار هذه المرة أن يكون بمحض إرادته في المعارضة. { ولعل ما يميز هذا التحالف الوطني المغربي الحاكم هو البرنامج الذي توافقوا عليه قبل تشكيل الحكومة، والذي ارتكز على التنزيل الديمقراطي لدستور 2011م على أساس أنه وثيقة دستورية مخالفة لجميع الدساتير المغربية السابقة، فقد منحت ولأول مرة في تاريخ المملكة الحق لحزب الأغلبية في تشكيل الحكومة وقيادتها، بدلاً من الدساتير القديمة التي كان يقوم فيها الملك بتعيين الوزير الأول ومن ثم الوزراء.. { المجتمع المغربي كما هو واضح مجتمع حداثة، تتجلى فيه بوادر النهضة الشاملة في كل الميادين فكرية كانت أم ثقافية، ويتلمس فيه الحرص الشديد من جانب كل القيادات على إشاعة المعرفة الإنسانية؛ ليبقى الملك وفي كل عهود المغرب يشكل المرجعية الأولى لقضايا الدين والحراك الشعبي والرسمي، مثلما تمثل الصحراء المغربية القضية المركزية لكل أهل المغرب، الذين ظلوا دوماً على استعداد لتقديم كل تنازل لأهلهم في الجنوب، والصحراء المغربية على وجه الخصوص، حيث بدأت المشاريع التنموية تؤتي أُكلها في تلك المنطقة. { هناك أيضاً المبادرة المغربية للتفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي للصحراء والتي يلتف حولها كل المواطنين، وقدمت في 11 أبريل 2007م للأمين العام للأمم المتحدة لتضمن المملكة المغربية من خلال هذه المبادرة لكافة الصحراويين مكانتهم اللائقة، ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة « المنطقة « ومؤسساتها، بعيداً عن أي تمييز أو إقصاء، ويتولى سكان الصحراء بشكل ديمقراطي تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية واسعة، كما توفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية المنطقة في كافة المجالات والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.... الخ. { وهكذا ظلت المملكة المغربية تؤكد دوماً حرصها الشديد لتقديم الحلول الموضوعية لقضية تشكل كما قلنا الأولوية القصوى لكل مواطن فيها إضافة لما ظل يبديه جلالة الملك في كل العهود من حماية ورعاية لتحقيق طموحات أهل الصحراء وتطلعاتهم المشروعة في حياة حرة كريمة في إطار السيادة الوطنية لبلدهم. { آخر العمود اسبح قريباً من الشاطئ.. وارتكب أنظف الأخطاء.. ولا تقايض على الفضيلة بشيء. المفكر المصري الراحل خالد محمد خالد