تناولنا في مقال سابق أهمية مناهج التربية الوطنية في تشكيل الوجدان القومي لدى اليافعين لأجل ترسيخ مبادئ وقيم الديمقراطية والانتماء، بإعتبار ان المناهج التربوية يمكن ان تتخذ موضع مرآه سليمة بعيدة عن الشروخ لمجتمعات متماسكة واحدة الوجدان متنوعة الثقافات. نحن بحاجة لاستقراء الحاجات الآنية والمستقبلية للمجتمع السوداني مع استصحاب الأبعاد المحلية والجهوية لهوية المواطن، وترسيخ قيم التفاعل والتكيّف المستمر مع مختلف المتغيرات المجتمعية، ورفع التحديات التي تفرضها ، داخلية كانت أم خارجية، على الأفراد وعلى مكونات المجتمع جميعها واشراكهم في كيفية مواجهتها، بهذا المعنى، يتضح أن منهج التربية الوطنية ليس مجرد تشكيلة من المواد الدراسية، بل هي مكون أساسي لاستراتيجية تربوية تهدف لإصلاح النظام التربوي. وكما ذكرنا سابقا.. ان مسألة ادلجة المناهج التربويه التي تهدف لاعادة (تفريخ) المجتمع تدفع الى مزيدا من التشوهات ولا تعالجها، ففي الاتحاد السوفيتي سابقا.. كانت الحركة الشيوعية تحاول اعادة انتاج مجتمع شيوعي تتكون بنيته العقلية واتجاهات تفكيره من الماركسية اللينينة، لذلك عندما انهار الاتحاد السوفيتي واجهت الانظمة التي تلته صعوبات في انتاج اجيال جديدة تستوعب المتغيرات السياسية التي انعكست بظلالها على البنية المجتمعية. لا شك أن مراجعة المناهج التربوية بهدف تحسين مواءمتها مع المنتظرات الملحة الحالية للمجتمع ليست كافية، انما ينبغي وضع نظام تربوي جديد يقوم بمعزل عن القديم الذي اثبت فشله في السودان بعد تجربته لسنوات،وابتكار طرق وآليات ووسائل تعليمية جديدة تتوائم مع الثقافة الرقمية الجديدة التي تسيطر على حياة الطلاب اليومية. وإذا كانت المناهج التربوية بلورة لاستراتيجية تربوية، فإنها مجرد فرضية للتدخل في الإصلاح التربوي تحتاج إلى إجراءات ممهدة وأخرى مساعدة في مجالات استكمال تكوين الأطر التربوية العاملة، والتكوين الأساسي للأطر التربوية الجديدة، وتجهيز المؤسسات بالوسائل التعليمية بالكوادر الفاعلة والمواكبة لمجريات العصر وميول الطلاب النفسية، وضرورة إدراكهم بأهمية ترسيخ قيم التربية الوطنية في عقول الطلاب ووجدانهم بإستخدام الوسائل التي يفضلونها.