طالما أن هناك حرب، لا بد من ضحايا، شهداءً كانوا أو أرامل أو ثكلى .. وطالما يموت الرجال في الحروبات، لزاماً أن تعمل المرأة لتعول أسرة أو لتسد ثغرة زوج ميت أو أخ راحل أو حتى والد متوفى .. ولأن السودان نسبة الأمية فيه مرتفعة في الأصل، فإن خيارات العمل ليست متاحة أو ممكنة بالقدر الكافي للنساء. ومن ضمن المهن الممارسة، وتكاد تكون حصرية على النساء، «إلا ما ندر»، بيع الشاي. ولأن النظرة الاجتماعية إلى بائعة الشاي ظلت تشوبها الكثير من الشوائب، وتلاحقها العديد من الاستفهامات وعدم القبول اجتماعياً. ولأن الحرب امتدت إلى أكثر من ربع قرن «ثلاثين عاماً» في البلاد، ومازالت، فإن مراجعة موقف المجتمع تجاه بائعات الشاي يطرح سؤالاً واضحاً، كيف تبدد النظرة إلى «ست الشاي» الآن..؟؟ ٭ فهم خاطئ ما برح المجتمع السوداني مكانه في النظر إلى مهنة بيع الشاي على أنها «عيب»، ولازالت النظرة إلى «ست الشاي» هي أنها امرأة أقرب إلى الداعرة .. وأن كل بائعة شاي مومس تحترف الرزيلة. ومع أن عدد المتعلمين ارتفع، ونسبة أولئك الذين نشأوا وترعرعوا في كنف نساء عاملات قد وضح، لكن المجتمع ظل حبيس تلك الفكرة القديمة، فهي ترى في بيع الشاي دعارة، ومع أن المجتمع قد فقد الكثير من الرجال بسبب أطول حرب في القارة، لم يقدر أن يستوعب أو يفهم معنى المعاناة وقلة الحيلة التي تجعل من أنثى تعرض نفسها إلى سوء الفهم في مقابل الحفاظ على الأسرة. «ست البنات» .. جمعت في اسمها بين الاثنين، «ست البنات الشاي»، سألناها، قالت:(أنا زوجي استشهد في بداية التسعينات، وترك لي أسرة مكونة من أربعة بنات، وولد هو أكبرهم، في العاشرة .. وكان لزاماً علي أن أعمل، وأنا «لا قريت ولا تعلمت» نعم .. كثير من ناس يتعاملون معانا على أننا «ما كويسات» .. لكن البعض يعاملنا بكثير من الاحترام .. «وأنا هسي أولادي كبروا، وبفتخروا بي إنو أمهم ربتهم بشرف من بيع الشاي». ٭ المجتمع الذكوري: دكتور عمر جلال الدين - الاختصاصي الاجتماعي - يرى أن السبب في ذلك يرجع إلى السيطرة الذكورية في المجتمع، وأن النظرة العامة إى بائعات الشاي بدأت تتحسن نحو الأفضل. وبين النظرة غير المقبولة من المجتمع، وواقع الحرب الذي نعيشه، سيكون هناك المزيد من «ستات الشاي» .. وسيكون على المجتمع التقبل أو المحاربة وفتح جراحات اجتماعية جديدة. وبين هذا وذاك، تظل المرأة السودانية العاملة أول من تدفع فاتورة الحرب، فقداً، وحزناً، وجهداً، ونظرة متخلفة. ولنا أن نغني كما فعل محجوب شريف وعقد الجلاد: بت الكادحين وغلابة .. والعذابة ست الكسرة أحب القرقريبة القريبية .. قريبة في إيدك فراشة تدور والهبابة والعرق المنقط داك أي قمرية فوق السور.