الذين اختصروا الدنيا والآخرة في أنفسهم، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم، وأصبحت تجارتهم وأرباحهم وكأنها صيد ثمين لأصحاب الحاجة الذين يمتلكون عقارات وعمارات وشركات، وأسرهم من الأثرياء ومن المشاهير والأسماء الكبيرة. اليوم وددت أن أفتح ملفاً خطيراً، ونوعية أخطر من التجار، التجارة التي يمارسها بعض التجار وأصحاب رؤوس الأموال التي أتت من تجارة الدولار والربا والبيع بالفائص، « وتجارة الدين» التي أصبحت حديث الناس في الأسواق، وبأرقام «مليارية». والموضوع خطير وكبير، وأصبح متفشٍ مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، ويعيشها التجار الذين لا حول لهم ولا قوة، من ثم اللجوء إلى مثل هؤلاء الذين يبيعون لهم الوهم وعلى نحو غريب وعجيب، يريدون أن يحلوا به الحرام، وأن يلتفوا به حول القوانين التي تحرم الربا وتحل البيع، فيكون البيع وهمياً، وعلى الورق فقط، فيكون البائع هو نفسه المشتري، وبمعني آخر، يبيعون لك بسعر مرتفع جداً، ويجهزون لك المشتري بسعر متدنٍ جداً جداً، وفي كل الأحوال ليس هناك بضائع، وإنما ورق وإيصالات استلام وتسلم وشيكات آجلة، وكل هذا يتم في يوم واحد، وخلال ساعات في مكتب مكيف، والثمن مع هذه الشيكات هو الرهن لمنزل الأسرة والأولاد، أو العربات، أو العقارات الموروثة والمورثة منذ مئات السنين لهذه الأسر المنكوبة بسبب تهور فرد واحد منها، وقع في فخ من لا يخافون الله، وكل همهم في الدنيا جمع المال، وبناء العمارات، وهذه هي تجارتهم الربحانة في الدنيا، والخسرانة في الآخرة. هؤلاء يعلمون أن الشخص الذي أتى إليهم «مديوناً» ليست له علاقة بالسلع التي يبيعونها لك، وإلا فما علاقة شخص يعمل في مجال الإعلام مثلاً بالأرز والعدس والسكر .. ليتم «تديينه» مبلغ يفوق المليون دولار، أي حوالي الستة مليار جنيه «بالقديم»؟، وما علاقة تاجر عربات بالسيخ والأسمنت والحديد؟. إن الذين يقبعون في السجون، وأصبحوا يبقون إلى حين السداد، هم ضحايا لبعض هذه الممارسات «الربوية»، التي يمارسها البعض، وأصبحوا أثرياء وأغنياء بها في الدنيا، ولكنهم فقراء ومعدمين في الآخرة، وسوف يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، وبكل أسف، هذا النوع من التجارة «تجارة الدين»، أصبح في طريقه إلى «التوريث» للأبناء الذين يسيرون في نفس الطريق وبنفس الأسلوب، ولكن بشراهة، تراهم في المحاكم والنيابات، يستخدمون القانون في سبيل استرداد أموال السحت والربا. تجارة الدين، والبيع بالآجل، وزيادة السعر «لأن البيع آجل» ومساعدة المشتري في بيع هذه المشتريات بالآجل بسعر أقل، أو ما يعرف بقانون «تجار الدَين بالكسر»، يعتبر نوعاً من أنواع «الربا»، والذي معناه لغوياً هو الزيادة، قال تعالي:(فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) «الحج 5»، وقال تعالى:(إن تكون أمة هي أربى من أمة) «النحل 92». ومن هنا فإن أصل الربا الزيادة، قال تعالى:(يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) «البقرة 276»، فالربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وهو من الكبائر، ومن السبع الموبقات، ومن استحله فقد كفر، ودليل تحريمه من الكتاب قوله تعالى:(وأحل الله البيع وحرم الربا) «البقرة 275»، ودليل تحريمه من السنة أحاديث كثيرة، ومنها مارواه مسلم، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال:(لعن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه)، وقال:(هم سواء). هذا وقد وردت دراسات عديدة بشأن موضوع الربا والمرابين، وظهرت عدة أضرار اجتماعية، منها أن الربا له أضرار أخلاقية وروحية، فالذين يتعاملون به ينطبع في نفوسهم البخل، وضيق الصدر، وتحجر القلب، والعبودية للمال، والتكالب على المادة، والانحلال، والتفكك الأسري، والخسارة، والتعاسة مدى الحياة، وتعطيل الطاقة البشرية، كما أن أكل الربا يحيل بين المرابي وأبواب عمل الخير وتقبل الشفقة عند الإنسان، لأن المرابي لا يتردد في تجريد المدين من جميع ممتلكاته وأمواله، كما أن الربا يسبب العدواة، والبغضاء بين الأفراد والأسر والجماعات، ويحدث التقاطع، والفتنة، والخصام، وهذه الأخيرة حقيقية معروفة في مثل هذه المجتمعات التي يخاصم فيها الأخ أخاه .. والابن أباه. وغدا سنواصل بإذن الله انتظروني تحت عنوان : حاسبوا هؤلاء في الدنيا، قبل حساب الآخرة.. الثروات والمصانع والأسماء التي ضاعت وشردت..!