أطلق المرحوم أحمد يوسف هاشم رئيس تحرير صحيفة (السودان الجديد) والتي توقفت عن الصدور عقب تأميم الصحف في بدايات حكومة مايو 9691م أطلق على الحكومة في عهد الإدارة البريطانية لقب (حكومة المفتشين) كناية عن سطوة هؤلاء وقوتهم بما لديهم من صلاحيات واسعة كانوا يتمتعون بها إدارية وقضائية، فقد كانت الحكومة وتقليلاً للنفقات تمنح المأمير وقد كان جلهم من المصريين صلاحيات قضائية محدودة كما أعطت المفتشين الاداريين وقد كانوا من الانجليز بجانب صلاحياتهم الادارية سلطات قضائية لذلك كان هؤلاء المفتشين يمثلون قوة كبيرة بما لديهم من سلطات ادارية وقضائية مما جعل ذلك الصحفي المرحوم احمد يوسف هاشم يطلق على الحكومة في تلك الفترة من العهد الاستعماري لقب (حكومة المفتشين). أخشى أن يكون الزمن قد عاد بنا إلى الوراء لنطلق على الحكومة الآن لقب (حكومات جمهوريات الولايات) وهل يمكن أن يصبح بالسودان 51 جمهورية ولائية تكاد أن تكون مستقلة عن المركز بل وقد تتمرد عليه؟ ففي ظل الحكم الولائي وبالتجربة فقد شهدنا أحد الولاة وهو يهدد بدخول القصر الجمهوري وقد تمرد عليها بالفعل ولجأ إلى جوبا بعد هزيمته فقد كان هذا الوالي يحمل رتبه الفريق في جيش الحركة الشعبية ووالي في نفس الوقت لولاية النيل الارق ولديه قوة عسكرية بالولاية تتبع للجيش الجنوبي ، وقد أصبح الجنوب دولة مستقلة لها جيشها وعلمها ونشيدها الوطني، ولاقالة هذا الوالي الذي تمرد على سلطة الحكومة المركزية فقد استخدم رئيس الجمهورية سلطاته باعلان حالة الطوارئ في الولاية حتى يتمكن (دستورياً) من اقالة ذلك الوالي المتمرد على سلطة الحكومة المركزية. حسب الدستور فانه يتم انتخاب الوالي بواسطة جماهير الولاية تماماً كما يتم انتخاب رئيس الجمهورية من الذين يحق لهم التصويت من المواطنين فكلا الرجلين يتبوأ منصبه عن طريق الانتخاب الحر المباشر وربما يجعل ذلك بعض الولاة يعتقد انه (مافيش حد أحسن من حد) وكما أن رئيس الجمهورية يأتي عن طريق الانتخابات فكذلك الوالي. هل يستطيع رئيس الجمهورية (عزل) الوالي وقد أصبح ذلك من صلاحيات المجالس التشريعية الولائية فهي التي يحق لها عزل الوالي عن طريق التصويت وبأغلبية معينة. وقد جرب رئيس الجمهورية عزل والي جنوب دارفور سابقاً ، وقد أدى ذلك القرار إلى ردود فعل شعبية خاصة نادت ببقاء الوالي في منصبه وقد أضطر الجيش إلى التدخل أخيراً لفرض الأمن في تلك الولاية. لقد كان الوالي عبد الحميد موسى كاشا من قيادات الحزب الحاكم فتقبل القرار وانسحب من المشهد السياسي بطوعه واختياره وهكذا انتهى ذلك الاحتقان السياسي. حتى لا تحدث فوضى في الحكم اللامركزي ولتجنب حدوث مشاكل بين الولاية والمركز الا يحق لرئيس الجمهورية عزل الولاة وفقاً للدستور؟ واذا كان الدستور الحالي لا يعطي لرئيس الجمهورية الحق في عزل الولاة الا يمكن تعديل الدستور بحين يكون (عزل) الولاة من صلاحيات رئيس الجمهورية؟ نؤكد انه لابد من سد اية ثغرات يمكن أن تظهر على السطح السياسي نتيجة الممارسة العملية فاذا حدث نزاع بين أحد الولاة ورئيس الجمهورية فان على أحدهما أن يتقدم باستقالته ولن يكون ذلك الشخص هو رئيس الجمهورية المنتخب من كلية الشعب السوداني واذا رفض ذلك الوالي تقديم استقالته فانه يحق لرئيس الجمهورية وفقاً للتعديل الدستوري المقترح عزل الوالي من منصبه. وربما يكون من الأفضل أن يتم اختيار الولاة مستقبلاً بواسطة المجلس التشريعي للولاية بعد موافقة رئيس الجمهورية. وفي ظل النظام الرئاسي فانه من حق رئيس الجمهورية اختيار الولاة أو المشاركة في اختيارهم كما انه من حقه ايضاً إعفاء اي مسئول حكومي يرى انه لا يتقيد بالسياسة العامة للحكومة او يفتعل المشاكل او أن بقاءه يمكن أن يخلق الفوضى أو البلبلة أو عدم الإنسجام مع الفريق الذي يعمل بتناغم وانسجام معه أو مع حكومته.