في التاسع عشر من الشهر المنصرم، أقام معهد البروفيسور/ عبدالله الطيب للغة العربية بقاعة الشارقة بالخرطوم احتفالاً لإحياء الذكرى التاسعة لرحيل موسوعة الأدب العربي/ عبدالله الطيب شرفه بالحضور نخبة من الأدباء والمثقفين والمهتمين وممثلين من أفراد أسرته. تطرق فيه المتحدثون إلى علمه وسيرته بكلمات وإفادات وذكريات عطرات نستشف منها قيمة الفكر والعلم والأدب والعمل، وكل ما هو جميل وأصيل في هذا الوجود. كما تخلل الحفل استعراض للجديد فيما يتعلق بأدبه وانتاجه، فكان أبرزه طباعة رسالة الدكتوراة التي نالها في جامعة لندن 1950 وهو من أوائل السودانيين في هذا الصدد بالإضافة إلى الأستاذ الريح العيدروس.. والأستاذ مكي شبيكة.. وهذا وقد تكفلت شركة «زين» بطباعتها وقام بترجمتها الأستاذ عبدالمنعم الشاذلي أحد تلاميذه .. أما عن مؤلفاته فقد كتب في شتى المعارف الإنسانية .. نذكر منها سفره الضخم «المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها» الذي طبع في شكل مجلدات .. ويعد من أهم اثاره الأدبية التي اثارت النقاد والكتاب والباحثين والمحليين .. كما كتب للاطفال نلمح ذلك في مؤلف «الأحاجي السودانية». وله مؤلفات أخرى منها من حقيبة الذكريات، أغاني الأصيل، زواج السمر، مع أبي الطيب، من نافذة القطار، اصداء النيل وغيرها وقد فاقت ما يربو على الخمسين مؤلفاً .. بالإضافة إلى ما نشر في الصحف والمجلات والدوريات الاقليمية والعالمية .. وله إسهامات مقدرة في وضع مناهج وزارة التربية والتعليم ولعل أشهرها كتاب «سمير التلميذ» الذي كان يدرس في المرحلة الأولية وقتئذ، شهد العديد من المؤتمرات والمحاضرات والندوات .. ولا يفوت علينا في هذا المقام تلك المحاضرات القيمة او «الدروس الحسنية» التي كان يلقيها في بلاط حضرة صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني ملك المغرب في شهر رمضان المعظم من كل عام .. وكانت تحظى بالمتابعة والإهتمام من عليه المجتمع وصفوتهم .. مما يؤكد سمو ورفعة مكانته الأدبية بين الملوك والرؤساء والأمم والشعوب ولا نذهب بعيداً عن القصور الرئاسية فهو من القليلين الذين حازوا على جائزة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في الأدب .. وهي جائزة رفيعة رفعت رأس السودان عالياً.. وفي الأجهزة الاعلامية شرف التلفزيون القومي بتقديمه لبرنامج «سير واخبار» يتناول فيه بالدراسة والشرح والنقد سيرة السلف الصالح من العظماء والأمراء والعلماء والشعراء «وهلمجرا» تلك العبارة الأنيقة الفخيمة التي ارتبطت به كثيراً أثناء حديثه والتي تعني استدامة الأمر واتصاله .. وفي إذاعة «هنا أمدرمان» كانت محاضرة الاسبوع التي ظل يقدمها صباح كل جمعة في طرح جاذب وشائق وكأنه أراد أن «يبارك» للمستمعين «جمعتهم» وصباحاتهم. اما «دراسات في القران الكريم» فهو من البرامج الإذاعية الشهيرة «والذهبية» التي ظلت تحرص على بثه في كل دوراتها لأكثر من نصف قرن من الزمان وهو من برامج التبادل الإذاعي انتهج فيه لغة واسلوباً مبسطاً يستمع إليه الجاهل قبل المتعلم والصغير قبل الكبير بانصات واذعان يجد فيه المعلومة الواقية والقيم الدينية والأدبية والروحية .. يرافقه في ذلك المقرىء الشيخ صديق احمد حمدون وهو يتلو الآيات بصوته الجهوري والمؤثر .. اثراءً للفكر والأدب والثقافة والجمال كانت ندوته الأدبية الشهرية بقاعة الشارقة التي كان يؤمها جمع غفير من المواطنين بمختلف درجاتهم العلمية والمهنية والعمرية حتى تضيف عليهم القاعة بما رحبت لتحدد وتباين موضوعاتها وأطروحاتها.. كان رحمه الله شخصية محبوبة يمشي بين الناس بأدبه ولطفه وتواضعه وبساطته وشفافيته وأريحيته التي لا تعرف الزيف والرياء، فهذه الصفات أوجدت في نفس كل من يستمعإاليه او يلتقي به او يتعرف عليه حباً خالصاً وصادقاً واحتراماً وتقديراً .. كما كانت له حيوية دافقة وهشاشة وبشاشة وطلة مريحة وابتسامة عريضة تنبع من قلب عامر بالتقوى والورع والإيمان وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي أنشد بحب رسول الله قلبي عامر وحب رسول الله قلبي غامر بحب رسول الله تتلى الدفاتر ونحن به في كل فج نسافر *** بحب رسول الله سيفي قاطع به أنا أغزو وهو عني يدافع وحب رسول الله في الحرب نافع وفي السلم نور منه في القلب ساطع هذا هو غيض من فيض هذه العبقرية الفذة .. فالإحتفال والإحتفاء به لا يكفى .. فهو علم ومنهج قويم ينبغي أن تسلط عليه الأضواء في كافة المراحل التعليمية حتى يظل مادة ونبراساً يهتدى به الطلاب وينهلوا منه العلم والمعرفة.. أذكر انه في مرحلة من المراحل الدراسية كان الطلبة يطالعون كتاب «الايام» المقرر لمؤلفة د . طه حسين عميد الأدب العربي فكان إضافة حقيقية ومحصلة علمية بالنسبة للطلاب نرجو من القائمين على أمر التعليم بأن ينتهج ذات المنهج مع إحدى مؤلفات العلامة عبدالله الطيب .. وأحسب أنه ليس بالأمر العسير أو المستحيل ...