نحن أصلاً أعني شخصي ورفاقي على أيامنا مصنفين بأننا اولاد السكة الحديد لأن غالبية أبناؤنا كانوا يعملون بالسكة الحديد كنظار محطات وكماسرة وموظفين، وسكننا ومدارسنا قائمة ما بين عطبرة وشندي المحطة، وكما هو معروف ومعلوم أن عطبرة كانت هي معقل السكة الحديد، وقد سميت مدينة الحديد والنار نتيجة لموقعها ذلك على زمانها وزمان شبابية أيامنا «يا حليلها» لقد مضى ذلك الزمن وتركنا نجتر الذكريات الجميلة التي عشناها في كنف تلك المدينتين العظيمتين شندي وعطبرة ذوات الورش الهندسية والقطارات الزاهية والآتية وأكيد أن كل من سافر عليها يعلم مدى أهميتها بالذات شندي ومحطتها الجميلة الراقية وقتها ولا أدري ماهو حالها الآن لقد طال الأمد علىّ منذ تواجدي بها أتمنى أن تكون بخير الآن وستكون لان ذلك أصلها وعزتها المعروفة كنا نحن اولاد السكة الحديد أبداً كثيرو الإسفار على القطارات إلى بلدان ومدن أخرى أولها الخرطوم عاصمة البلاد بمدنها الثلاث التي أخيراً ركنا بها إلى يومنا هذا.. قلت كنا كثيرو الإسفار على تلك القطارات المعدة إعداداً أنيقاً بدرجاتها التي سميت بالأولى والثانية والثالثة ثم تلك التي تسمى «النوم» وهي بالطبع الأكثر جمالاً ورونقاً وراحة للمسافر المقتدر اما نحن فكنا اما على سطحها او بداخل الدرجات الثالثة والرابعة لأننا أصلاً لم نكن نحمل تذاكر سفر اعتقاداً منا بأننا وما دمنا معروفين بأولاد السكة الحديد او على الأصح أبناء العاملين بها أكيد الكماسرة لن يلاحقونا ليطلبوها منا ذلك بحسب إعتقادنا ولكن هل جميع اولئك العاملين سيعلمون بأننا بكلياتنا من أسر فصيلة السكة الحديد بالطبع لا وعليه كان الكماسرة والمفتشين يطاردوننا من حين لآخر ومن محطة لمحطة ولكن ترى هل كانوا يستطيعون الإمساك بنا هذا مالم يحدث او يتم لهم هكذا سار الحال إلى أن جاء ذات يوم ونحن في سفرة ما على قطار كان يسمى «قطار الليل يحمل بضائع تجارية استقبلنا ذلك القطار وعندما وصل بنا إلى إحدى المحطات الخلوية أو إلى القرب منها إذا به يتوقف وبسؤالنا قيل لنا إن الخط إلى دخول المحطة به خلل أي مقطوع بسبب عيب بالفلنكات التي تحمل «القضيب» فبقينا على طيلة الليل وجزء من النهار قابعين في ذلك الموقع الخلوي نعاني ما نعاني من الآلام والمتاعب ولا نجد من نستعين به لأن ليس هنالك وجود لاحد سوى العاملين بالقطار المتوقف وهؤلاء كانت مواساتهم لنا لا تتعدى الشماتة والتهكم بقولهم من أين انتم لتستقلوا هذا القطار الذي غير معد لحمل الركاب من البشر. إذن انتم تتهربون من قيمة التذاكر فأبقوا كما انتم وتذوقوا عذاب الهروب من الحق حق البلاد عليكم فبقينا إلى أن تم إصلاح الخط لنصل إلى مقصدنا منهكين تائبين من تكرار مثل تلك الفعلة. هذا ما كان بالنسبة لنا نحن اولاد السكة الحديد أبناء العاملين بها والحصل حصل وقتها.. الآن الذي ذكرني به هو ما آلت إليه السكة الحديد بالآونة الأخيرة إلى ما بعد ذلك من إهمال وتفكك ذهب بهيبتها ومكانتها العظيمة التي ذكرت والتي كانت صامدة ومتواصلة بالرغم من عيوب ومخاطر تلك الفلنكات الخشبية التي كانت تثبت عليها القضبان لتسير عليها القطارات، هذا من جانب ومن جانب آخر وهو الأهم الآن ظهور هذه الشركة الصينية التي إبتدرت صناعة فلنكات خرسانية بديلة لتلك الخشبية المستعملة لكي تكون أكثر أماناً لمسارات القطارات التي تحمل الناس والمنقولات الأخرى التي تهم البلاد لتصل بالسرعة والأمان المطلوب إلى مواقعها وبأقل التكاليف وهكذا يسير العمل وتتواصل الجهود لتعود للسكة الحديد هيبتها وسيرتها الأولى بل وأكثر بفضل الله والحادبين على أمرها وجودة الفلنكات الخرسانية التي ذكرناها. اما نحن أبناء العاملين وقتها سنحتفظ بذكرياتنا مع السكة الحديد.