شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحافة الكاركتير
عز الدين عثمان لقد جمعت في مهنتك بين الالتزام الشديد والاسلوب البسيط وكنت علامةً في عصرك بقلم : محمد خوجلي الراراوي
نشر في الوطن يوم 02 - 02 - 2013

عزالدين عثمان فنان مطبوع خلد نفسه بأعماله التي تنم عن عبقرية وذكاء خارق وفنه البديع الذي سيظل باقياً في ذاكرة ووجدان الشعب السوداني.
فالجماهير العريضة التي أحبته وما زالت تتذوق فنه بين الفينة والأخرى ولم ولن تنساه أبداً حتى معارضيه يكنون له دوماً تقديرهم واحترامهم، ولا غرو فقد تربع هذا الفنان على القمة شامخاً صامداً يستلهم ويستجلي الأحداث ويسجلها بريشته التي اخترقت حجاب التقليدية المميت ثم عبرت إلى فضاءات الإبداع التي تنبض بالحياة.
عزالدين عثمان رائد فن الكاريكاتير السوداني فاقت شهرته الحدود فبرز كواحد من فناني الكاريكاتير على نطاق العالم حيث ترجمت أعماله إلى اللغة الانجليزية في صحيفة emirates news اليومية التي كانت توزع على نطاق دول الخليج والباكستان والهند وأوروبا 1980-1988م.
غادر فناننا إلى دولة الإمارات وشد رحاله بعد أن ضيق عليه الخناق إبان عهد حكومة مايو وفور وصوله تأقلم سريعاً مع مجتمع الإمارات فأجاد وأبدع وصار أشهر من نار على علم.
وعندما قرر العودة إلى الوطن ترك بصماته الواضحة وإلى الآن يتحدث الناس عن أعماله في تلك الصحيفة المشهورة (البيان).
اعتزازاً بزمالة الكلمة أسطر هذه الكلمات بحروف من ذهب كنت أودها كذلك لهذا المبدع ماذا أقول؟ بعد كل هذا أخشى ألا أوفيه حقه فقد تخرج على يديه الكثيرون وأنا كذلك أدين له بالشكر والامتنان طوال حياتي.
ولد ونشأ الفنان عز الدين عثمان محمد في مدينة الخرطوم القديمة وبالتحديد في منطقة السوق العربي في 27/8/1933م، ودرس الكتاب بخلوة الفكي العوض بالخرطوم غرب.
وفي مدرسة الخرطوم غرب الابتدائية أظهر تفوقه فكان يشكل مجسمات بالطين ( الصلصال) وتفوق على أقرانه في حصة الرسم فكان متصدراً باستمرار.
المرحلة الثانوية كانت بالكلية القبطية الثانوية ومن ثم قرر الالتحاق بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية ودرس بها ، تعلم وأجاد فيها فن الرسم والتلوين والنحت بناء على رغبة تمثلت عن وعي تام لما يدركه.
فهو فنان مولود بأسنانه كما يقول واقعه، ومن البديهي أن يجد من أساتذته كل تشجيع ومؤازرة ليمهدوا له الطريق وقد كان.
ونخص هنا الأساتذة السودانيين عميد كلية الفنون وقتئذٍ بسطاوي بغدادي والأستاذ إبراهيم الصلحي.
بعد التخرج سأل الفنان عز الدين نفسه: هل ألتحق بسلك التدريس معلماً لمادة الفنون؟
ولكنه صرف النظر في التفكير عن تلك الرغبة عندما وجد العائد المادي أفضل بشركة (متشل كوتس) والتحق بها موظفاً وعمل لسنوات طويلة في أروقتها، ولكن الفنان الذي في دواخله ظل على الدوام يتحين الفرص للانطلاق.
وحانت الفرصة الذهبية عندما أقنعه صديقه الصحفي الكبير رحمي سليمان صاحب جريدة (الأخبار) بالعمل معه كمتعاون بجريدة الأخبار.. ووافق عز الدين بدون تردد ونشر أول رسوماته (بالأخبار) واستمر يرسم كاريكاتيراً ثابتاً إلى أن توقفت صحيفة (الأخبار) عن الصدور.
ولكن عزالدين لم يتوقف وقرر الالتحاق بجريدة الصحافة التي يمتلكها الصحفي عبدالرحمن مختار، ولكن لم يكتب لعز الدين الاستمرار فيها طويلاً حيث استقال منها احتجاجاً على سياسة تكميم الأفواه من قبل السلطات التي أصابها الانزعاج من الرسم الكاريكاتيري الذي كان يقصد به لمجرد النقد فقط؟!
يبدو أن السيناريو سيعاد تكراره كما حدث في جريدة الصحافة وهذه المرة سيكون في جريدة الرأي العام التي يمتلكها إسماعيل عتباني وتضم كوكبة منهم حسن نجيلة رئيس تحريرها، وهيئة تحريرها تتكون من سيدأحمد نقدالله، والفاتح التجاني وفضل الله محمد ومحمد سعيد محمد الحسن وآخرين.
بدأ عزالدين بتقديم صفحة أسبوعية تعالج قضايا سياسية واجتماعية بأسلوب كاريكاتيري هادف وتجاوب معها جمهور القراء،
ولكن تأتي رياح السياسة بما لا تشتهي قريحة الفنان. فالنقد اللاذع (ملح للجروح) والطرف الآخر أبى أن يستجيب لهذا العلاج.
كان عز الدين يبحث عن (أرخميدس) ليؤازره ولكن لم يستسلم لأغواء الانطفاء، إذ أن ثقافة الحوار بالريشة لن ترضي أحداً وإنه لن (يورد الإبل) كما يريدون، والمفهوم هنا أن تخضع الريشة أو القلم للتسبيح والشكر (وسمعاً وطاعةً) للسلطة..
هل هذا هو دور الصحافة؟
حينئذ تكون الأشياء جامدة وليس هناك ثمة قضايا تعالج. السلطة الرابعة ما دورها إذن؟
النقد يولد أشياء ذات مضمون ويرفع الغطاء عن الأسئلة الجادة والحقيقية التي تؤرق المجتمع.
ترك الأستاذ عز الدين الرأي العام لذات الأسباب السابقة إبان حكم جعفر نميري. كان عز الدين أفضل تجربة في صحيفة الأيام من سابقتها وعبر بريشته عن كل نقيض تدفقت أفكاره لتكون أشبه بالإلهام المباغت وعندما تصدر الأيام يتخذ كاريكاتير عز الدين منحى آخر ليصبح على كل لسان أهزوجة للأحرار.
وعبر بريشته التي حطمت الثوابت التقليدية في النقد بمعالجة كل سلبي بروح (خفيفة الدم) وتطرق لكل حالة فساد تشذ عن المجتمع، ولكنه كان يشعر بأنه تحت المراقبة الطائلة من قبل الأمن، وشيئاً فشيئاً بدأت عجلة الإبداع في التوقف بأمر من الرئيس النميري شخصياً قال له: «أنت يا عز الدين، ما ترسم».. من الأفضل أن تكون رئيس تحرير.. إداري.. أي منصب.. فقط لا ترسم؟؟
لماذا هذا الرعب الذي يتملك الساسة من رسومات كاريكاتيرية؟
الفنان عزالدين جلس بدون عمل و لم يجد نفسه.. وأقض مضجعه تقاضى أي مرتب أو مكافأة وما يرسمه يحجب عن الصدور!..
وبعد كل التشجيع والمؤازرة من الصحفي محجوب محمد صالح (أستاذ الأجيال) كان رئيس الجمهورية يتدخل كمقص رقيب من أعلى سلطته، وهل من الممكن تقييد سلطة ريشة ومثل كل فنان يؤمن برسالته لا يمكن أن يعيش في مناخ الكبت والقهر؟!.
ولأن الفن يجري في دواخله، يريد أن يرسم ويعبر عن نبضه الذي هو من نبض الشارع، ودع المنصب في الصحافة السودانية وقرر الهجرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وفتحت له الصحافة الإماراتية ذراعيها وحقق من النجاح والشهرة ما لم ينله فنان سواه.
وقت قدومه للإمارات تزامن مع وصولي وكان مقر عمله في دبي جريدة البيان وكنت أعمل بالخليج التي كانت تصدر من الشارقة، وكنت ألتقيه كثيراً لنتباحث في قضايا الفن والصحافة.
وعاد إلى الوطن بعد غياب دام ثمانية أعوام وعمل في فترة الديمقراطية الثانية بعدة صحف منها (الدستور) التي تصدر من لندن في مكتبها بالخرطوم. وصحف كثيرة: أمثلةً وليس حصراً: (الشارع السياسي) و(نبض الكاريكاتير) . وأخيراً (الرأي العام) في العام 1997م، أوقفت (الشارع السياسي) عن الصدور لثلاثة أيام بسبب كاريكاتير للفنان عز الدين عثمان، مؤكد أن الكاريكاتير يطعن في الفيل لا ظله كما يقول المثل . والسياسي الوحيد الذي كان يحاوره بصدر رحب، ويتقبل كل ما يرسم عنه هو الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري.
أبا أمير) لقد جمعت في مهنتك بين الالتزام التشديد والاسلوب البسيط وكنت علامةً مشعة ) في سجل الصحافة السودانية لهذا الفن الجديد المميز من أبناء عصرك، رحم الله عز الدين عثمان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد خوجلي- الإمارات
--
الاحصاء التحليلي لفن الكاريكاتير
عز الدين .. يخلق من الشبه أربعين
من الذي لم يتأثر بعزو وقتها ! ؟ و هل من الضروري الخروج عن إسلوب (عزو)؟
ولهذه الاسباب (نزيه) يمثل حالة فريدة !!!
كتب: نادر جني
عزو تشظي الروح في الأمكنة والأزمنة
يبدو فيما يبدو أن روح الإبداع الخاصة بالمبدع (عزالدين عثمان) قد تشظت في الأمكنة والأزمنة قبل أن تفيض روحه للبديع سبحانه وتعالى ، والشاهد أن ثمة كتابة نقدية رفيعة المقام ورقيقة الخصام كتبها أديبنا الفذ (عيسى الحلو) في ثمانينيات القرن الماضي عن ذكاء فنان الكاريكاتير( أبا يزيد) الذي كان في بدايته يرسم بطريقة (عزو) وهو يجايله ولكن النداء الخلاق الخاص به وكونه مبدعاً سلفاً ألهمه ابتكار اسلوب (أبايزيدي) يكاد يشاكل (عزو) في الجمال والروعة وخفة الروح ، طبعاً (الحلو) لم يكن يتكلم عن الجو العام للخلفيات داخل الرسم والأحداث والفكرة وإنما عن إسلوب الرسم نفسه ووضع زوايا الشخوص والتوزيع داخل الرسم , لأن المشاكل والتحديات وقتها كانت مشتركة وبرغم ذلك – نقول- فقد كان (عزو) يبتدر خط سير الأفكار ثم تصبح شائعة من بعده وهذا يقودنا إلى أن أي كاريكاتير كان يرسمه (عزو) يمثل تحدياً ونقلة فورية على مستوى التعاطي مع الأحداث اليومية – وقتها- ، لأن شرط الريادة الممنهجة لهذا الفن يتوافرعنده بالأخص وهو الحاضر بفنه ونفسه في الأسواق والمركبات العامة قبل أن يمتلك (المورس الخضراء) والحاضر في الشوارع والاماكن العامة والخاصة ، وهذا التواجد شبع الوجدان السوداني بأنماط فنه البسيطة وشخوصه الواقعية فهو لم يترك الموظفين ورجال الشرطة والسواري والساسة و اللصوص والسكارى والمفكرين ولعيبة الكرة والخنافس والفنانين والتمرجية والقمرتية والترزية وعامل البسطة والسكة حديد والمطافي والجزارين الصفرجية وبتاعين الورنيش وكل تجارالشنطة والدلاليات والخواجات والمغتربين بإختصار كل شرائح المجتمع المدني ورسم الواقع الشكلي الخارجي والمعتقد السائد الجوهري لها وأبان أخلاقها ومستواها المادي دون تكلف منه ولكن بعين فاحصة ، عينه ذاتها التي رسمت الاشجار والجدران وخطوط الطول والعرض والطوب والجالوص والحيوانات ، الكلاب والأغنام والقطط والطيور ، ونقل أماكن بعينها مثل بيوت الأفراح وسرادقات العزاء وطلمبات البنزين وبيوت العرقي وبوابات السينما بعضها مازال موجوداً وبعضها أكلته حداثة المدينة مثل سوق (زنكي الخضار) ومنتزه (حديقة الحيوان) على شارع النيل مكان (برج الفاتح) الآن وأماكن (التوتو كورة) بالقرب من (الامدادات الطبية) الآن والبارات في وسط الخرطوم والفنادق الشهيرة ومراكز الشرطة ومواقف المستشفيات وإستاد الخرطوم وسينما (كلوزيم) التي تحولت مع نظام الإنقاذ هذا إلي سكنة عسكرية .
من الذي لم يتأثر بعزو وقتها !
في الوقت الذي كان فيه رسامين آخرين أضحوا عالميين ينحون في مناح أخرى مثل (شرحبيل أحمد) في القصص المصورة ومنلوج عمك (تنقو) مع مجلة (الصبيان) و (إيدمون منير) مع بدايات صناعة الرسوم المتحركة في تلفزيون السودان و(إبراهيم الصلحي) في (الألستريشن) الصحفي المرافق للمواد التحريرية بينما في مجال الكاريكاتير كان هناك رسامين على قدر عال من البراعة لم يتأثروا ب(عزو) وإنما ظهروا بإسلوبهم الخاص أشهرهم (هاشم كاروري) وهو رائد أيضاً في هذا المجال إلا أنه بحكم تواجده في (الخليج) لفترات طويلة منذ زمن مبكر جداً لم يتشرب الوجدان السوداني بأعماله إلا في فترة لاحقة وخلق متأثرين كثيرين – وما يزال - ، أشهر من تأثر ب(كاروري) الفنان (علي الدويد) في بداياته قبل أن ينسلخ لإسلوب آخر وكذا الفنان (أحمد النحاس) ، وحتى عندما سافر (عزو ) للعمل في الامارات إستطاع أن يصنع إسلوباً خليجياً بنفس الروح المرحة البسيطة التي رسم بها الزول السوداني ووضع حجر زاوية إعتمد عليه كثير من رسامي الخليج في تلك الفترة وأول من تأثر به مواطنه السوداني الرسام المخضرم (حامد عطا) لكن للحقيقة والتاريخ (عطا) كان صاحب خطوط مختلفة عندما كان في الخرطوم ولكن تأثر ب(عزو) في إسلوبه الخليجي الخاص بمعالجة قضايا (الجاليات الوافدة للإمارات والمواطنين ) و بالطبع لأحقاً تمكن (عطا) من تكوين صيغة خاصة به ظهرت في مسيرته الفنية المبهرة لعشرة أعوام متواصلة مع صحيفة( الخليج) الظبيانية .
عزالدين حجر أساس وسقف التأسيس
و يبدو أن الإسلوب الخاص الذي إنتجه (عزالدين) من خليط ثقافات إبداعية عالمية ومحلية كثيفة ومن إساس مستخلص من الكارتون ( البريطاني والفرنسي) ممزوج بروحه الساخرة وأصالة الإنتماء للوطن وللمواطن السوداني خرجت أعماله للعالم كأنها فلكلور سوداني محض وتوثيق لليومي وأرشفة للتواتر المجتمعي للأخلاق وللثقافة وللموضة والتأثر باحداث العالم غير المتسارعة وقتها ؛ إن هذا كله يبرر كيف بدأ (عزو) مثل حجر أساس وسرعان ما أصبح – عزو- مثل سقف سميك لبنية الكاريكاتير السوداني وهذا جيد من حيث أكتمال البناء الشكلي لهذا الفن وموضعة زوايا للتناول وطرح الافكار تحت روية متاحة وبسيطة وجميلة كالتي ينتجها ، ولكن شكّل هذا السقف تحدياً حقيقياً أمام عقود زمنية كاملة ربما بدأ إمتحانها من الستينيات والعصور الذهبية للأشياء ، مروراً بحقبة وفاة (عزو) في 2007 وحتى الآن في 2013 ، إن هذا يؤكد أولاً متانة المصدرالذي ما فتاء يتحدى إختبار الزمن وثراء الفروع التي تسهم بتقليدها لفن (عز الدين) مواصلة تواجده في أزهان الحقب التي تعرف فنه الأصيل في الأصل - وربما بمزيد من التنوير- تعريف أجيال حديثة لم تعرفه أبداً .
سؤال : هل من الضروري الخروج عن إسلوب (عزو)؟
عزيزي القارئ ، يمكن أن تتأكد بنفسك حين تطالع العديد من الأعمال لأسماء معروفة ومشهورة كيف أنها لم تخرج من طينة (عزو) الفنية لسبب ما من الأسباب ! ، قد يحتاج الأمر إلي دراسة مستفيضة ولكن هنا يطرح ثمة سؤال نفسه : هل من الضروري الخروج عن إسلوب (عزو) إذا كان هو المرجع الأولي الأشبه بالأصولي لهذا الفن في السودان؟ ، والإجابة من وجهة نظري أن (لا) ولكن التعامل مع قواعد هذا الأساس لبناء صرح فني آخر بل واستنتاج قواعد جديدة مخالفة لقوانين (عزو) ، والإنعتاق من (المماثلة) التي ما يزال البعض يقبع داخلها حتى العمق رافضاً الخروج إما لفقر حقيقي في موهبته أو لموهبته التي توقفت في مدرسة (عزو) وتكلست للاسترزاق منها دون تكبد عناء لاستحداث أساليب خاصة بهم والعجيب أن بعض هولاء فشل حتى في نقل موروث (عزو) بشكل يليق بلاأصل ، بل وشوه المنقول وأدمن سرقة الافكار وزوايا الرسم بطريقة أقرب إلي الإدمان الأعمى بدليل رسم الشلوخ كأنها ظاهرة إجتماعية متواجدة والحقيقة أنها شبه مندثرة في المجتمع الحالي ونادراً ماتجد وجه به هذا الموروث الشعبي المنقرض و الذي كان يرسمه (عزو) بلا تكلف لأنه كان موجوداً سلفاً؛ ثم الطواقي المربعة وبرنيطة الخواجات القديمة في الراس السوداني وبناطلين الشارلستون والاردية التي كانت تلبسها الجاليات القبطية والسودانيين من حقبة ما بعد الجلاء وبقايا الإنجليز ولها طريقة تفصيل واضحة كان (عز الدين دقيقاً في نقلها) لا تشبه (البرمودا) الحالية ويمكن استثناء ( قفف الخضار) لأن (قفة) الملاح فلكلورية في رمزيتها الكاريكاتيرية مثلها مثل (العمة والتوب والعزبة) كما إنها ماتزال موجودة .
(نزيه) يمثل حالة فريدة
ومن جهة أخرى وللحق فإن الفنان (نزيه) رسام صحيفة (الرأي العام )هو أفضل المتأثرين بإسلوب (عزو) بعد إنعتاق (أبايزيد) إذا أضفنا لهذا التصنيف أسماء مثل (ابراهيم ريحان) والمرحوم (عزيز) ولكن (نزيه) يمثل حالة فريدة خصوصاً بعد أن بدأ ينعتق آخيراً من طينة (عزو) مكوناً رؤية بصرية مستحدثة ترتكز على مدرسة (عز الدين) وقد ظل لزمن طويل أسيراً عن حب كما قال ، وهو من المجيدين في نقل أدق التفاصيل ، كأنه كان يطمح أو يحاول أن تظل أعمال (عزو) متواصلة ولكن بإمضاء مختلف في نفس المنبر الذي ختم فيه الأول حياته (الرأي العام) وبدأ مع نفس الشخص المتعنصر جداً لأسلوب (عزو) ويعتبره الأفضل وحق له ذلك إنه الأستاذ (إدريس حسن ) ، وتحس في (نزيه) وهو ينتقل من طينة (عزو) إلي صلصال (نزيه) كأنه مجبوراً لترك مهنة كان يحبها أو كأنه تخرج للتو من جامعة أحبها جداً استهلكت معظم وقته وحياته فانسلخ من الأفكار والأماكن واستفاد من أشكال الشخوص ووضعياتهم وبنطالهم وثيابهم وبواريكهم ومفاركهم وسجائرهم بخلفيات جديدة تعتمد في الغالب على المساحة وبعض خطوط المباني كتقليد شائع في فن الكاريكاتير في السودان القديم لأن العمران لم يكن بهذا الكم، إلا أنه أضاف الألوان المبهجة البسيطة المتناغمة ، وهذا جعل معجبي (عزو) يتعنصرون للإعجاب ب(نزيه) وبعضهم يقولونها صريحة بأن هذا سبب رئيس في حبهم للأخير ولن يكون هناك محك لمعجبي (نزيه) في حال إنسلخ تماماً عن طينة (عزو) لأنه إنسلاخ ممرحل وبمقتضيات مرحلية ورغبة ملحة لصلصال (نزيه) في تكوين ذاته .
في الختام
في الختام أحب أن ألفت الانتباه إلى أن إسلوب (عزو) الصلب في تكوينه كمنهج وبسيط في كونه إسلوباً أخضع الجميع لإمتحان (التجاوز) لهذا السقف الجمالي ولكن العجب العجيب أن (عزو) نفسه خضع لهذا الإمتحان ونجح في خلق إسلوب جديد ظهر أول ماظهر مع (صحيفة الشارع السياسي) في مطلع التسعينيات ، وربما نعود في مقال آخر لنفصل إن شاء الله أيقونات وفروقات إسلوب (عزو) القديم والجديد ، لكن في العموم هذا الذي ظهر مؤخراً إسلوباً كامل الإختلاف ،مع أن البعض يقول ربما بعامل الزمن - أحكام السن- لكن أستطيع أن أقول : أن (لا) ليس بعامل السن ولا مقتضيات ضرورة وإنما (مود) مختلف يتناسق وصفاته الخلاقة في هذا المجال ودلائل كثيرة تشير إلي ذلك أهمها قوة الخط نفسه- حتى قبل أيام مرضه بقليل- و إختفاء الشخصيات النمطية القديمة وهذا ذكاء في قراءة المرحلة وتكويناتها الزمنية والمكانية واختلاف في اللغة المستخدمة وطريقة الملابس وزوايا النظر ، وطريقة العيون وحتى التعبيرات وبالونة الكلام وإحتفظ بنمط الخلفيات شاسع المساحة ولم يستخدم الالوان محتفظاً بالأبيض والأسود وإستخدام( الزبتون ) ولو مد الله في عمره قليلاً لكان نافس نفسه بوضع مدرسة جديدة تنافس مدرسته العملاقة القديمة ولكن لا اعتراض في حكم الله سبحانه ، ولكن يظل (عزالدين عثمان) هو الرائد الأول المؤسس لهذا الفن في السودان والسقف الجميل للقواعد والحروف البصرية الأولى التي لا ينفك عنها إلا صاحب موهبة فذة ولا يلزمها بصدق إلا مريد ومحب ومجزوب بفن (عزو) آملين دائماً في أن تقوم المؤسسات الثقافية أو الصحفية أو السياحية المعروفة بتقدير هذه الاعمال وهولاء النفر المبدع الذين شكلوا وجدان الشعب السوداني ، ويمكن تخصيص معارض أو إعادة إصدار أعمالهم أو أرشفتها بشكل حديث واعتمادها كمبحث والتعامل معها ببعد السياحة الإنسانية الفنية الروحية في تنقلها عبر عبق الأمكنة والأزمان القديمة التي توصف حاضرنا بدقة وتسخر منه بحب .
(نقطة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.