بلدان واماكن جما تضيق فيها براحة الحيزالمكاني ويتراكم الخلق في مساكن يصعب استنشاق هواء نقي بين جنباتها، ويضاف إلى ذلك إزدياد سرعة ايقاع الحياة اليومية، هذا الجو الخانق تنحسر بفعله بعض القيم الدينية والاخلاقية، ولا يعرف الجار عن جاره الا النذر اليسير، قد يرتفع صوته نهاراً او ليلاً فيسأله جاره علي درج السلم او علي موقف المواصلات وربما علي الشارع العام عندما يتقابلا بعد حين يساله ..ما عساك البارحة وقد ارتفع صوتك ؟ يرد الجار بصمت ونظرة حيرة تنطق بان للبيوت اسرار ثم يطأطئ في صمت آخر اعمق لتنتهي اجابته، او قد يجيبه بأستحياء .. لا.. لا شئ بارك الله فيك. تحولات اجتماعية سلبية نحن لا نعرفها بدأت تزحف حثيثاً نحونا، انت الآن او غيرك يسكن في الحي او البناية شهور وسنين لا يعرف اسم جاره خاصة اذا تفاوتت الدرجات هذا وزير وذاك مدير وهكذا، والصورة تتضح اكثر اذا ما حدث لاحدهم حالة وفاة عادية (موت الله) تبدأ التلفونات في الرنيين في البحث عن الاقرباء والاهل للحضور لستر الميت، والجار ربما آخر من يعلم، ورفع الكلفة في هذه الجزئية يصبح من الامور المستحيلة حتي في مواراة الميت الثري. في قاهرة المعز وغيرها من معاقل التمدن يوجد الحانوطي رجل يمتهن التحنيط اباً عن كابر، ويقوم بتجهيز الاموات بالمقابل المادي الصريح، ويكفي الاخرين البحث في بعض الاحيان في غياهب الليل عن من يستر ميتهم. الحانوطي في ارتباطه بالموت يصعب تخيله واسلوب تفكيره في تعامله مع من حوله، كيف ينظر اليه الناس، بتفاؤل مثلاً علي اعتبار انه يقدم خدمة جليلة عجز عنها أول أبن لأبونا آدم حينا عرف قتل أخيه وجهل مواراته الثري حتي جاءه الغراب وعلمه لأول مرة كيف يفعل ذلك؟، ام ان التشاؤم لا يفارق نظرة الناس اليه ويذكرهم علي الدوام بالموت ولونه ورائحته التي تختلف بأختلاف الناس كلاً حسب قربه او بعده من خالقه. احدهم سأله مرةً عن حاله والعمل معه فرد شاكياً ( دي يا راجل الحياة واقفة ومتنيلة علي بعضها اليومين دول مافيش حد بموت بالمرة مش عارف ليه ربنا يسهل) ويسهل الاخيرة دي نترك للقارئ فهمها، وبصريحة العبارة للذين لا يعرفون اللهجة المصرية الرجل يهنأ بموت الناس ويفرح بحزنهم، قد تندهش وتسأل اي حياة هذه..؟ ما علينا. ولكن هنالك مهن كثيرة تقوم عملياً علي هذا المنوال، مصائب قوم عند قوم فوائد، الموضوعية في هذا الجانب مطلوبة ودعونا نميط اللثام عن بعض المهن الانسانية تخيل طبيباً استأجر عيادة مجهزة بمبلغ وقدره ظل شهور لم يزوره فيها مريضاً واحداً تري ما ليسان حاله يقول يحمد الله ويشكره علي صحة الناس ويدفع أجرة العيادة من جيبه ام يكون له رأي آخر؟، الامر مسار جدل ويستدعي صدق من نوع خاص، في السابق ارتبطت مزاولة مهنة الطب بالانسانية والتجرد في مكافحة الامراض وقضت علي كثير منها ومازالت، والانسانية جمعا مدانة في ذلك، وكثير من الاوبئة لولا الطب لفتكت بالبشرية،لكن البعض يحسب ان ارتباط الطب بالانسانية، تراجع لصالح المادية وان انجح الاستثمارات علي الاطلاق الان في مجال الطب. وهل هذه الاستثمارات المجنونة هدفها القضاء علي المرض ام الربحية؟ الاجابة صعبة للغاية وتستدعي الرجوع لكثير من التطورات الحياتية التي ينظر لها كل طرف بأنها سبب انعدام الجانب الانساني في مزاولة منهة الطب، ودائماً يقال ان العالم أجمع علي هذا النحو العلاج بالمقابل!!!.نقبل هذه المقاربة بشرط توازين ثنائية الحقوق والواجبات. [email protected]