يبدو أن الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي لبس نظارات زرقاء اليمامة للنظر في مستقبل السودان من (قِبَل الله الأربعة) فبينما مرت ذكرى انتفاضة رجب/ أبريل التي اسقطت نظام مايو من السلطة دون احتفالات هذا العام حتى في دار حزب الأمة القومي الذي ظل على الدوام يخرج هواءه الساخن كلما مرت الذكرى اطل حزب الأمة على المسرح السياسي بطرح رؤية سياسية جديدة تهدف لتمكين المعارضة وتحويل طحينها وعجينها إلى فعل، أي ما ينفع البلاد والعباد ففي اللقاء التفاكري للفعاليات الوطنية حول الوضع الراهن الذي أقامه حزب الأمة بداره بأم درمان أعاد المهدي طرح روية حزبه لمعالجة أوضاع البلاد بالتركيز على الحوار لكنه هذه المرة لم يتحدث عن حوار مع الحكومة على الطريقة التقليدية فالمهدي هذه المرة يريد أن يتقوى بالمعارضة كلها في الحوار بل ابعد من ذلك فإنه يطلب من المعارضة أن تتفق على رؤية واحدة بوسائل جديدة تدعم الحوار وهو ما يشير إلى أن المهدي وعى الدرس من الحوار بلا أسنان والحوار الثنائي مع الحكومة وكانت في مخيلته تجارب اتفاق نداء الوطن الذي وقعه حزبه مع الإنقاذ في جيبوتي واتفاق التراضي الوطني الذي مهره الأمة مع المؤتمر الوطني فمات الاتفاقان قبل تنفيذهما ولكن تبقى الدرس للمهدي وحزب الأمة والآخرين في الساحة السياسية، فالصادق المهدي الذي يتكئ على تاريخ سياسي كبير وقوي شعبية متعاظمة لم ييأس من إمكانية طرق أبواب الحكومة حتى تنفتح، بالأمس بعد أن استمع إلى آراء قوى سياسية وجماعات ضغط ونقابات قديمة في اللقاء التفاكري الذي غاب عنه دكتور الترابي أمين عام المؤتمر الشعبي صهر الصادق المهدي والخصم اللدود للإنقاذ إلى جانب فاروق أبو عيسى رئيس هيئة تحالف قوى الاجماع الوطني المعارض الذي لا يتحدث إلا نادراً عن مخاوف يثيرها البعض عن أن حزب الأمة عينه على زعامة تحالف المعارضة ، لأسباب فسرها ناشطون سياسيون بأنها غير بعيدة عن خلافات المعارضة والغيرة السياسية بين المهدي والترابي ومخاوف أبو عيسى، فالمهدي بعد سماعه لرأي من شاركوا في اللقاء كعادته اعتبر حديثهم وحديثه هو يصبان في قالب تغيير النظام كطرح يتبناه حزبه لهندسة نظام جديد لكن المهدي صار في هذا اللقاء الذي دعا من خلاله القوى السياسية للقاء آخر مشابه يكون الحديث فيه اكثر تفصيلا للوصول لغايات ارحب نحو ميلاد حوار له سند وأسنان صار اكثر صرامة ودقة في دعوته لتقوية صف المعارضة رغم هدوء حديثه في تناول موضوعه وامعن الصادق النظر بعين فاحصة في اخفاقات الحكومة من انفصال الجنوب والأزمة الاقتصادية وأزمة دارفور وقضايا القوى الشبح فاتخذ منها إليه لإجبار الحكومة على دفع استحقاقات التحول الديمقراطي وقبول رؤية وطنية جامعة للحل تتماشى وما تطلبه المعارضة فيرى ضرورة الاستعداد لملء الساحات لكنه قيد الأمر بضرورة عدم المواجهة مع النظام، فزعيم حزب الأمة الرجل السبعيني ذو العمامة الملفوفة بعناية فائقة ويتدلى جزء منها إلى اسفل خلف العنق يجعلها اقرب للرغم 9 لا يريد أن يحجر على أحد الخروج للشارع بقدر ما أنه لا يشير لأحد أن يخرج للشارع في مواجهة الحكومة لكونه لم يوفر له الحماية وهو ما يبين أن الرجل لا يريد أن يتحمل مسئولية إراقة دماء سودانية، غير أن حديث المهدي في الليلة الهائة تلك في بهو دار الأمة بشارع الموردة اخذ طريقه لاذان بعض الحاضرين من ممثلي قوى الاجماع الوطني المعارض فالأستاذ إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني كان مستمعاً جيداً وكذا محمد ضياء الدين المتحدث باسم حزب البعث، ولكن ماذا خمر الرجلان من آراء حول خطاب المهدي هذا السؤال سيجاوبان عليه هما، بيد أن حماسة بعض المتحدثين الذين دعا بعضهم لضرورة المواجهة وآخرين اتفقوا مع المهدي على ضرورة الحوار كالمسئول السياسي بحزب العدالة جمعة ارور والمطالبين برؤية استراتيجية لمستقبل البلد دفع شباب من جماعات الضغط والناشطين السياسيين من قرفنا وشباب قوى الاجماع الوطني لدعم رؤية المهدي الذي يصر على ضرورة الاتفاق بين قوى المعارضة حول المصير الوطني في فترة لا تتجاوز 3 أسابيع، غير أن دكتور التجاني حاج موسى الذي شارك في اللقاء سجل صوت لوم على القوى الوطنية كلها التي قال إنها لم تفكر بصورة استراتيجية في مستقبل البلد منذ الاستقلال وراهن على أن الثقافة مفتاح لحلول قضايا الوطن، فالمهدي بحسب المراقبين بقدر ما أنه صبر كثيراً فإن صبره اثمر كثيراً وهو ما أكدته جولاته الحزبية في بعض الولايات لاسيما النيل الأبيض فأرفعت روحه المعنوية وتكشف له مدى الوجود الشعبي لحزبه ما جعله يظهر عضلات، ولكن ليس للقتال وإنما للصراع السياسي فأصبح لسان حاله يقول إني ارى شجراً يسير وفي غضون ذلك فإن دعوات رئيس الجمهورية، المشير البشير، ونائبه الأول علي عثمان، للحوار فتحت شهية المهدي وهو ما يدفعه للبحث عن عصاة لحراسة جزرة الحوار بين الحكومة والمعارضة الذي أصبح قاب قوسين أو ادنى، فهل ينجح المهدي في اقناع المعارضة بما يصبو إليه أم تتمترس المعارضة في محطة المخاوف وتتضاءل الفرص ويخرج الجميع خاسراً.