تعيد الى ذهني حركة تأهيل السكة الحديد الماثلة الآن والمؤدية لإعادة مجدها وسيرتها الأولى وحركة قطاراتها التي كانت تجوب البلاد متحركة ليلاً ونهاراً تنهب الأرض بين البقاع والجبال والصحاري والوديان حاملة الناس والمنقولات متوقفة محطة محطة القائمة بالمدن الكبيرة وبعضاً من الريفية القروية الصغيرة شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً هذه هي الحالة التي كانت تسير عليها قطارات السكة الحديد خلال الزمن الجميل الماضي الى أن أهملت وتقاعصت وكادت أن تتلاشى نهائياً خلال تلك الفترة الصعبة التي مرت بها فجعلتها راكضة في عقورها ولا حراك لها.. والآن وبعون الله وجهود القائمين بأمرها قد امتدت اليها يد الإنقاذ لتخرجها من ما ألم بها من اندثار وإهمال عانت منه الكثير خلال الحقب الماضية، وها هي تشارف العودة لمجدها الأول بل وأفضل بما تم من تأهيل حديث من قطارات بدأت مساراتها على الغضبان الحديثة المثبتة على الفلنكات الخرسانية بدلاً من تلك الخشبية التي كانت معمولاً بها، هذه الفلنكات هي التي تمهد وتسهل المرور لتلك القطارات السريعة التي واصلت المسار عليها بكل قوة وأمان ولنعود الى ما نحن بصدده نحو قطر كريمة.. فإن المعروف أن كريمة هي آخر محطة شمالاً للقطارات حيث كان يصل اليها أهالي الشمالية القادمين الى الخرطوم أو غيره من البلدان عن طريق البواخر النيلية القادمة من دنقلا وباللواري والقليل من العربات المتواجدة وقتها في أواسط بلاد الشايقية ليمتطون القاطرات من كريمة الى الخرطوم أو غيرها كما ذكرت فيتحرك بهم القطار شاقاً الفيافي من محطة الى أخرى وبالطبع أن بداية محطاته بعد كريمة هي تسمى «الكاسنجر» ثم ما تليها «أبو حمد» وما دونه وما حوله من محطات للسكة الحديد.. وقطر كريمة هذا كان معروفاً ومشهوراً بالإزدحام الذي لا يخلو من بعض المشاكسات التي يتسبب فيها طول المشوار والمضايقات التي تحدث من الركاب وبالذات ركاب «الدرجة الرابعة» كما عرف عنهم وقتها وبالرغم من ذلك فإن الجو كان أيضاً لا يخلو من بعض النكات والقصص التي تدور بين راكبي قطار كريمة في ذلك الوقت يحدث ذلك بداخل القطار أثناء مساره وعند توقفه بالمحطات العديدة التي يمر عليها قبل وصوله الى الخرطوم، وبمناسبة النكات والقفشات التي تحدث أو حدثت في بعض المحطات دعونا أن نأخذ كمثال لا حصراً لها مما يتناوله الركاب في محطة «أبو حمد» فإن أبو حمد هي محطة بلاد أهلنا «الرباطاب» وهم بالطبع أي الرباطاب معروفين «بالبديهة» وسرعة الإجابة على كل ما يعرض عليهم، وقطار كريمة بالطبع أن غالبية ركابه من أهلنا الشايقية، و«النكتة» هي كما يقال إن أحد الشايقية والقطار يقف بأبي حمد قد وجه سؤالاً لصبي رباطابي يقف بالمحطة حول «ماهو أبو حمد هذا الذي سميت عليه هذه المحطة فجأة الرد الشافي من ذلك الصبي «بأنه» سيداً «لي كريمي » ألم أقل لكم إن الرباطاب كبيرهم وصغيرهم حاضري البديهة وسريعي الرد على كل ما يوجه اليهم أو يعرض عليهم، وما دمنا منطلقين من ذكريات الماضي ومستجدات الحاضر للسكة الحديد خلال مجدها وعزتها السابقة لابد لنا من أن نعول على المزيد من التفاؤل المستقبلي لعودتها الى مسارها الأول، بل وأكثر لما هو متواصل الآن في تأهيلها بأحدث الطرق والوسائل من إستعدادات ماثلة في جميع مجالاتها من إدارية وفنية هندسية ومعدات وقطارات وعربات لنقل وترحيل الركاب ومنقولات الصادرات والواردات بأسهل وأسرع الوسائل وأقل التكاليف ومن بين هذا وذاك يأتي إنفراج حركة قطار وركاب كريمة.