[email protected] عندما كنا في ارض الغربة كنا تتملكنا الدهشة عندما ننظر لحجم المولات التجارية ( الله يكرم السامعين ) من حيث الفخامة والأناقة والروعة والقوة الشرائية التي كانت تتطلب ان يعمل الموظفين بالمولات بنظام الورديات علي مدار الساعة وكنا انا والسيدة الأولي في نظري نتجول بداخلها كبقية خلق الله لا نخشى شيئاً فوقتها كانت الجيوب منتفخة بكافة انواع العملات التي يسمونها صعبة في بلاد العجائب والتي وجدناها هناك كأنها حملاً وديعاً نقلبها بين ايدينا يمنة ويسرة لا حراك لها كنا ندخل افخم مولات برج الفيصلية وبرج العرب وأسواق بندة والعثيم ندحرج عربات التسوق الممتلئة بأنواع الاحتياجات المنزلية كافة ونعطي العامل الذي يوصلها الي السيارة بقشيشاً بالضبط كما يفعل الناس المحترمون في مثل هذه المواقف كنا نتناقش في السيارة (لاحظ السيارة دي كيف ) عن تجربة المولات الفخمة هذه لو انها طبقت في بلاد العجائب وكنا نؤمن بحتمية فشل التجربة لأسباب كنا نجملها في بطبيعة التسوق الحرة داخل المولات وبضخامة رأس المال وبطبيعة انسان بلاد العجائب الذي كنا نظنه بسيطاً لا يحب اجواء الترف وهذا الرائي البسيط كان في زمن كان فيه جنيه بلاد العجائب يساوي اتنين ريال سعودي ونصف دولار . عندما احاول اخي القارئ ان اسرع من احداث السرد وأدير عجلة الزمان لأنقلك لواقع التغير الذي طرأ فقد جرت عادة الرواة في هذه الحالة ان يقولوا (فمرت الايام والسنين والدهور ) فيعلم المتلقي ان الاحوال قد تبدلت وان الراوي انما يريد نقل الاحداث الي شكل اخر وأجواء مختلفة ولكن الغريب في هذه الرواية ان الاشياء تبدلت دون الحوجة لأن تمر الليالي والدهور وهذا التبدل كان غريباً جداً وهو كالأتي فقد صار جنيه بلاد العجائب بنصف ريال سعودي وصار الدولار بنصف دستة من جنيه بلاد العجائب وبالرغم من هذا فالأرض اصبحت تنبت في كل يوم مولاً جديداً يضاهي في شكله وفخامته اعتى مولات الخليج . تأملت ذلكم المول الضخم وانا في وطني بعد العودة اليه ومن خلال الزجاج حيث لم استطع ومنذ عودتي الي حضن الوطن حتى مجرد التفكير في الدخول الي مولاته فقد استأسدت علينا العملات بما فيها جنيه بلادي رأيت اناساً من بني جلدتي يشبهونني في الشكل واللباس ولون البشرة وتقاسيم الوجه يدحرجون عربات التسوق يضعون بداخلها كل احتياجاتهم وغير احتياجاتهم وهم مشغولون بمكالمات هاتفية يضحكون ويتسوقون ثم يخرجون محفظة النقود عند محطة التحصيل يخرجون منها مبالغ تقشعر لها ابدان امثالي اذ ربما كانت تساوي ضعف راتبي الشهري والغريب في الامر انهم لا يزالون يتحدثون في الهاتف دون ان يطرف لهم جفن يأخذ المتحصل مبالغ التسوق ويدخلون الباقي الي جيوبهم دون مراجعته وانا اراقب هذا المنظر من خلال الزجاج ربما تبادر الي ذهنك عزيزي القارئ انني مشرد أو متسول أو ان تبدل حالتي هذه كان بأسباب من صنع يدي لكن اقول لك بكل كبرياء وأنفة الفقراء لا والله فأنا اعمل بوظيفة محترمة جداً احاضر في كثير من الجامعات السودانية واعمل متعاقداً في المساء براتب كان محترماً وهي نفس المهنة التي سولت لي الدخول الي مولات الخليج يعني لم اعد لوطني لأتسكع وأنام علي تحويشة الغربة فكيف بالله عليكم احوال العطالى والأرامل والأيتام والفقراء فقراً مدقعاً , كان يتبادر الي ذهني سؤال تمنيت ان اسأله لرواد ذلكم المول بالدارجي الفصيح ( انتو شغالين شنو ؟) افيدوني هل هذا كله من التجارة المفترى عليها والتي كان يرتادها الفاقد التربوي علي زماننا وإذا سلمنا عبطاً ان كل هؤلاء تجاراً سؤال اخر من الذي يشتري منهم بضاعتهم وثلاثة ارباع سكان بلاد العجائب قد اصبح خط الفقر يعلوهم بآلاف السنين الضوئية هل تصدقون ان هؤلاء يعملون بالتجارة والتجارة لا تزدهر الا بأن يكون المواطن في رغد من العيش. ربما تكون هذه خواطر فقري أو احقاد طبقية أو كلام العاجزين لكن هل كل من عمل بالتجارة منكم سوف يكون بين ليلة وضحاها من رواد تلكم المولات ربما اكون مبالغ حبتين في حكاية المولات هذه وان الموضوع بسيط جداً كالذي يشتري من دكان الحي ولكن الشئ الذي اسمعه عن تلكم المولات ان الاسعار فيها ترتفع درجة حرارتها لحد الغليان قال محدثي الذي اشك في صدق حديثه لأنه يعيش حالة فقر مدقع قال لي ان كوب العصير في بعض الاماكن قد يصل الي خمسة عشر جنيهاً وربما هنالك اماكن لا نعلمها تبيعه بأكثر من ذلك قد يقرأ مقالي هذا احد هؤلاء ويضحك ملأ شدقيه علي حكاية الخمسة عشر جنيهاً هذه ويسأل عن اماكن اخرى غير التي نعرفها . هل بلاد العجائب دولة فقيرة ام غنية ؟ صدقوني كنا نعيش في نعيم عندما كان الجميع يعلم انها دولة فقيرة ولكن عندما اصبح من العسير الاجابة علي هذا السؤال اصبحنا لا نعيش من اساسه ولكن بمحاولة الاجابة علي هذا السؤال فأنه اذا انغرض ثلاثة ارباع هذا الشعب المسكين يمكن ان نطلق عليها دولة غنية وإذا لا سامح الله انغرض هذا الربع الذي نشاهده في المولات تصبح بلاد العجائب دولة فقيرة وهذه اجابة منطقية في بلاد انعدم فيها المنطق فسعر الدولار لا تحكمه حسابات الاقتصاد بل تحكمه ابتسامة باقان فإذا ضحك الرجل في المفاوضات انخفض سعر الدولار في اليوم التالي وإذا اكفهر وجهه وعبس ارتفع سعر الدولار في اليوم التالي لك الله يا بلاد العجائب.