الشمس لم تشرق بعد ولم تنحدر فوق هامات سلاسل جبال البحر الأحمر وفي الساعات الأولى من الصباح الذي أشرف باكياً حزيناً على مدينة بورتسودان ليسمع سكان المدينة بنبأ وفاة فارس السياسة وعاشق الديمقراطية والحرية البرلماني الضليع هاشم بامكار محمد عبدالله طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه فهو بن شرق السودان البار نذر حياته السياسية للدفاع عن قضايا شرق السودان وللنهضة به فصال وجال في برلمان عام 5691م ، حيث فاز بدائرة بورتسودان فوزاً كاسحاً وكذلك في انتخابات عام 8691م فاز بالدائرة وأصبح الوجه المشرق لشرق السودان من داخل البرلمان فهو منذ نعومة أظافره عرك السياسة مع والده المرحوم المناضل الجسور (بامكار محمد عبدالله) الذي كان من السياسيين القلائل من أبناء البجا في ذلك الوقت إذ كان والده بامكار من الرعيل الأول للحركة الوطنية ولعب دوراً كبيراً في حشد المظاهرات المناهضة للجمعية التشريعية في ديسمبر عام 8491م وكان من قادة هذه المظاهرة ومن معه من حزب الأشقاء المرحوم محمد أحمد النيل رئيس الحزب والأستاذ المرحوم يحيى ابراهيم الفسين والمرحوم عبدالمجيد محمد بدر والمرحوم خضر نصر الأمين صاحب (مقهى النيل) والأستاذ محمد عثمان شريف وعلي الزين المساعد وكوكبة اتحادية أخرى شاركوا جميعاً في هذه المظاهرات وكان يومها هاشم بامكار طالباً بالمدرسة الوسطى وشارك في هذه المظاهرات التي زلزلت الأرض تحت أقدام المستعمرين ، فالراحل هاشم بامكار مثلما كانت له صولات وجولات من داخل البرلمان. كذلك كانت لديه وقفات وطنية تاريخية في ساحات الليالي السياسية واصطدم بالنظام المايوي العسكري الذي كان بقيادة العقيد جعفر نميري وعندما وقعت أحداث يوليو 1791م الدموية ثم اعتقال هاشم بامكار الذي أرسل تلغرافاً شديد اللهجة من بورتسودان إلى جعفر نميري مستنكراً حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها النظام العسكري المايوي ضد السياسيين، فأرسل إليه تلغراف شديد اللهجة يحذره بعدم المساس بالسياسيين ومن كلماته التي ذكرها في التلغراف اعتقالكم للسياسيين هو اعتقال للوطن كله قف الأيام بيننا وتم اعتقاله بسجن بورتسودان ومعه العديد من السياسيين، وفي انتخابات عام 6891م والذي اكتسح من خلالها دائرة بورتسودان وفاز بها وأصبح عضواً في البرلمان وفي يوم السبت الموافق 8/ اغسطس عام 6891م إنعقدت الجمعية التأسيسية لانتخاب أعضاء مجلس السيادة أو مجلس رأس الدولة فترشح هاشم بامكار والأستاذ ميرغني النصري نقيب المحامين سابقاً والدكتور أحمد السيد حمد رشحوا أنفسهم لعضوية مجلس السيادة، فنال الأستاذ ميرغني النصري (57) صوتاً والدكتور أحمد السيد حمد (85) صوتاً بينما نال هاشم بامكار تسعة أصوات فقط، كان رحمه الله سياسياً مخضرماً وجريئاً في قول كلمة الحق ومشاغباً سياسياً ومازحاً وحاسماً في المطالبة بنهضة شرق السودان. ومن الطرائف التي اشتهر بها حكاية إقامة كبري من بورتسودان إلى جدة بالسعودية وقبل عدة سنوات تعرضت مدينة بورتسودان لأزمة حادة وشح في الماء في شهور الصيف فخاطب جماهير الثغر وطلب منهم النزوح من المدينة إلى ضفاف نهر النيل للاقامة وليقضوا شهور الصيف هناك وكان رحمه الله يعيش قمة تواضعه واشتهر بالشجاعة والوطنية وحبه وعشقه للديمقراطية والحرية وكان يمقت الانقلابات العسكرية وكل هذا ورثة من والده حيث تعلم منه أمور السياسة وألاعيبها ودهائها وفي العام 8591م وعبدالله خليل رئيساً للوزراء وقعت مجاعة بمدينة (حلايب) فهرع عمدة حلايب يصطحبة هاشم بامكار إلى الخرطوم والتقوا بالسيد عبدالله خليل وشرحوا له الموقف هناك لكنه ابتدرهم قائلاً لهم (لا استطيع عمل شيء في الوقت الحاضر) فخرجا غاضبان من مكتبه حتى مشروب (الكركدي) لم يشرباه فشاهد السكرتير عبدالله خليل الدكتور منصور خالد شاهد الغضب على وجوههم لكنه طمأنهم وطلب منهم الذهاب إلى الامام عبدالرحمن المهدي لحل المشكلة والتقوا به وقام مشكوراً بحل المشكلة وإرسال الذرة إلى حلايب. رحم الله هاشم فارس السياسة الشجاع لم تهابه معتقلات وسجون الأنظمة الديكتاتورية وظل متمسكاً ومطالباً بعودة الديمقراطية إلى البلاد وحمل المسؤولية للسيدين بعد مجيء الانقاذ فيا هاشم هذا مقام القول فيك ولم يزل لك في الضمائر والنفوس محفل ومقام وطبت حياً وميتاً يا مشعل السياسة والديمقراطية والحرية.