شهدت الدولة المصرية ولأكثر من مائتي عام حكومات دكتاتورية يتمتع فيها الحاكم بسلطات فردية مطلقة، كان ذلك منذ بداية حكم محمد علي واحفاده من بعده جاء طوق النجاة من الجيش في العام 2591م بإستيلائه على السلطة لكن سرعان ما حدث الخلاف بين قادته الذي أدى الى عزل محمد نجيب في العام 4591م وكان قد نادى بعودة الجيش الى ثكانته وتسليم السلطة الى المدنيين، ومنذ ذلك الحين شهدت مصر فترات حكم شمولي عسكري بزي مدني أيام عبدالناصر السادات مبارك كانت تجري إنتخابات رئاسية وبرلمانية.. ولكن وزارة الداخلية كانت اللاعب الأساسي في نتائجها.. فقد كان يتم طبخ نتائجها فمن يفوز فيها هم من حزب الحكومة، لقد تخصصت الداخلية وبرعت وتفوقت في تزييف إرادة الناخب المصري لأكثر من ستين عاماً كان التزوير يتم بشكل رسمي ومن كل المستويات وبمباركة المسؤولين الحكوميين والحزبيين. طوال الستين عاماً وبشكل مدروس عدلت مؤسسات الدولة من أساليب عملها لقوائم حقبة الحكم الشمولي وقد شمل ذلك الإعلام الحكومي، إذ أصبحت الحقائق يتم تلوينها حسب رغبة السلطة تستطيع القول إنه لا أحد يثق في إعلام الحكومة فقد أدمن الكذب والفشل وحجب الحقائق وتشويه صورة معارضة بإتهامهم بالخيانة والعمالة ..الخ.. لقد غرق ذلك الإعلام حتى أذنيه في الفساد وأصبح يأكل في موائد اللئام.. لم يشمل الخراب والدمار والإعلام المصري فحسب بل وصل مكروبه المدمر الى الشرطة والأمن المصريين إذ إصبح لديهم إرث قديم وتقاليد راسخة في تعذيب المعارضين وإنتزاع ما يريدونه منهم تحت الضغط والإكراه ويصل هذا التعذيب الى مرحلة القتل بدم بارد والإدعاء بأن من تمت تصفيته جسدياً قد إنتحر من تلقاء نفسه ولا يستطيع أحد أن يرفع دعواه للقضاء المصري المسيس، لقد غرق القضاء المصري حتى أُذنيه في أوحال السياسة وكان أحد أهم الأدوات التي حاربت مرسي وأدت فيها بعد الى عزله وايداعه السجن وتلفيق التهم له بتهمة مخابرة «حماس» ولس اسرائيل مثلاً. لقد ظلّ الجيش المصري بمنأى عن السياسة رغم قيادته العسكرية التي حكمت البلاد وقد غفر الشعب المصري للجيش هزيمته النكراء في حرب يونيو 7691م لأن القيادة السياسية والعسكرية كانت تتحمل هذه المسؤولية بشكل مباشر.. لكن السيسي وقادة الجيش استخدموا الجنود لقتل اخوانهم في صراع سياسي على السلطة انحاز فيه السيسي لاحد طرفيه ولم يجد مفراً من إدخال الجيش في صراع سياسي بعد أن تورط فيه ولكنه هل ينجح لا أظن ذلك فالأزمة تتعمق ومصر يمكن أن تسير نحو هاوية تكون نتيجتها حرب أهلية يتحمل السياسي وأركان حربه مسؤوليتها، لماذا تحرك السيسي في الثلاثين من يونيو من المؤكد أنه كانت لديه أجندته الخاصة والتي يتم إعلانها تدريجياً وفي الوقت المناسب لعل أبرزها القضاء على الحكم الديمقراطي في مصر يؤدي الى إستمرار حالة السكون في الأنظم العربية المرشحة لثورات الربيع العربي مما يطيل من أمد بقائها يريد السيسي بنظامه الإنقلابي القضاء نهائياً ليس على حكم الأخوان ولكن توجيه ضربة قاضية لهم يتم فيها تصفيتهم جسدياً وقد وقع الأخوان في شباك السيسي، وأصبحوا صيداً سهلاً لآلته العسكرية التي عملت فيهم تقتيلاً وجرحاً وربما يصدر قرار بحل الجماعة. يهدف السيسي الى إفشال تجربة وصول «الإسلام السياسي» الى السلطة في مصر والذي يمكن أن يكون نموذجاً يُحتذى به في بقية الدول العربية مما يثير مخاوف الدول الغربية من مثل تلك التجارب التي يمكن أن تهدر مصالحها في المنطقة خاصة اسرائيل التي تخاف من أن صعود الإسلام السياسي قد يهدد بقائها في فلسطين، فتنظيمات إسلامية مثل «حماس» تدعو الى تدمير اسرائيل والإعتراف بحدود فلسطين من البحر الى النهر. ٭ يريد السيسي العودة الى نظام مبارك الشمولي المتصالح مع اسرائيل والغرب الأمر هنا أشبه بالتجربة التركية حيث لا يزال الجيش التركي مهيمناً ومسيطراً على الحياة السياسية في تركيا وداعماً للنظام العلماني منذ انقلاب اتاتورك منذ بداية عشرينيات القرن الماضي ويريد السيسي إعادة سيطرة قادة الجيش على السلطة من مصر منذ أيام عبد الناصر السادات مبارك ومن بعده السيسي وغيره من القادة العسكريين الذين يأتون من بعده. تحتاج مصر وبقوة الى (سوار ذهب مصري) ينقذها من شبح حرب أهلية ومن تردي أوضاعها السياسية والإقتصادية يتم فيها إقامة حكم إنتقالي مع عودة العمل بالدستور الذي تم تعليقه وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة. ولكن لابد من تطهير البلاد ممن أفسدوا حياتها السياسية من الإعلاميين وكبار رجال الشرطة والأمن وكبار قادة الجيش الذين ساندوا السيسي في إنقلابه العسكري.. بغير ذلك فإن أوضاع مصر ستظل على حالها وتعود اليها الفوضى من جديد..