تخوف أمريكا وإسرائيل من خرق اتفاقية كامب ديڤيد هو ما أثار الأحداث في مصر، فالمعارضة المصرية تكره أن ترى حزب العدالة على سدة الحكم، وهدف هذه الأحزاب إزاحة الإسلاميين من السلطة بأي طريقة شرعية كانت أم غير ذلك، رغم أن هذه الأحزاب لم تمارس العملية السياسية ستين عاماً كاملة، وإن كانت لدى البعض منهم مواقف ضد كامب ديڤيد!! المؤسسة المنوط بها إبقاء كامب ديڤيد على قيد الحياة هي المؤسسة العسكرية والتي تمثل المستفيد من الاتفاقية، وقد كانت المؤسسة العسكرية الفيصل في ثورة يناير ضد مبارك وتولي المجلس العسكري السلطة للفترة الانتقالية، وأعتقد أن الزج بشفيق منافساً رئيسياً لمحمد مرسي ونيله ثمانية وأربعين في المائة من الأصوات، كان بإيعاز من المؤسسة العسكرية فشفيق رغم أنه كان من أعمدة الرئيس مبارك الذي ساعدت المؤسسة العسكرية في إزاحته إلا أنه كان جنرالاً في المؤسسة العسكرية التي أُنيط بها الحفاظ على كامب ديڤيد وبالتالي الحفاظ على أمن إسرائيل!! كامب ديڤيد حررت المؤسسة العسكرية من المواجهة مع إسرائيل، وفرغتها تماماً للعملية السياسية وقد تولد لديها إحساس قوي بأن الذي يحكم مصر يجب أن يأتي من هذه المؤسسة فمنذ ستين عاماً مضت لم يحكم مصر سوى أحد أفرادها، جمال عبد الناصر، السادات، ومبارك!! العملية الديمقراطية في مصر لم تزعج أحداً في مصر كما أزعجت المؤسسة العسكرية، وقد أمسكت بخيوط الديمقراطية بالطريقة التي تراها هي أنها ديمقراطية، حتى الانقلاب الذي قامت به ألبسته ثوب الديمقراطية، بأن عينت رئيساً مدنياً وحكومة يرأسها مدني بينما وقفت هي خلف الكواليس تمسك بخيوط اللعبة كما يفعل الممثلون الحقيقيون في مسرح العرائس!! ما كان للرئيس المنتخب أن يُعزل لولا تدخل المؤسسة العسكرية، وما كان للحشود المدفوعة الثمن، والثمن اعترفت به السفيرة الأمريكية في القاهرة، بدعمها لمنظمات المجتمع المدني لا لصالح المواطن المصري إنما لدعم الديمقراطية ودعم الديمقراطية لدى أمريكا أن تظل كامب ديڤيد سارية المفعول ضماناً لسلامة وأمن إسرائيل!! والمؤسسة العسكرية هي المؤسسة القومية الوحيدة التي تعتمد عليها أمريكا للحفاظ على كامب ديڤيد، والجزرة الأمريكية تستحوذ عليها المؤسسة العسكرية بمساعدات تبلغ المليارات سنوياً كما تنال منظمات المجتمع المدني دعماً يفرض عليها المحافظة على الديمقراطية التي تحرسها بندقية المؤسسة العسكرية!! وحتى تسيطر المؤسسة العسكرية على مجرى الأحداث السياسية لا بد من أن يكون لها نفوذ اقتصادي فهي من أكبر المؤسسات الاقتصادية في مصر حيث تمتلك نسبة عالية من الاستثمارات في مصر، وبهذا تكون المؤسسة العسكرية ركنًا من أركان الاقتصاد المصري وهذا يؤهلها لأن تمتطي صهوة حصان السياسة، وقد ظهر هذا جلياً حين عزل القائد العام للقوات المسلحة القائد الأعلى الذي هو الرئيس مرسي!! لم يُدهش هذا الإجراء حراس الديمقراطية في الغرب، بل تمت مباركته أمريكياً، فعزل الرئيس وتجميد الدستور وحل مجلس الشورى المنتخب إجراء لا يتم إلا بالقوة العسكرية أي ما تعرَّف العالم عليه بالانقلاب العسكري، فمهما حاولوا إاباسه ثوبًا ديمقراطياً ومدنياً فإنه يبقى كثوب فرعون الذي لا يُرى بالعين المجردة!! وكامب ديڤيد بالنسبة لمصر ستجري اختبارات على المؤسسة العسكرية لترى أمريكا وتتأكد أنها مدجنة تجاه إسرائيل كما كانت في السابق، والخطوة الأولى التي اتخذتها إسرائيل هي هدم قرى البدو في صحراء النقب، والشعب المصري مشغول بقضاياه الداخلية، وهذا اختبار حقيقي للموقف المصري وقيادته الجديدة المهتزة سياسياً!! وربما تتمادى إسرائيل فتقوم بإجراءات عدائية ضد عرب إسرائيل وقد بدأت بالفعل، ولكن الاختبار الأكبر سيكون في غزة فتشتعل حرب أخرى ضد القطاع وهذا سيكون الاختبار الأكبر، هذا وقد بدأ الحصار الحقيقي لغزة بقفل معبر رفح!! وفي الآونة الأخيرة وجدت كامب ديڤيد فرصة حتى على منابع النيل شريان الحياة في مصر والسودان، فسد النهضة الذي بدأت عمليات بنائه تتحكم في الكهرباء المولدة فيه وفي السدود الأخرى شركة تل أبيب للكهرباء، قديمًا قال السادات إنها الحرب، فماذا قال الذين يمسكون بزمام الأمور في مصر من العسكريين، صمت مطبق فأي اعتداء على إثيوبيا هو اعتداء على إسرائيل التي وقَّعت كامب ديڤيد مع مصر، وحين قال السادات قولته لم تكن إسرائيل قد توغلت في إثيوبيا كما هو الحال الآن!! وقد اهتبلت إسرائيل الموقف السياسي المهتز في مصر بعد ثورة يناير وبدأت بذلك إثيوبيا إنشاء السد وتحويل مجرى النيل الأزرق وهذا يعني القضاء على مصر والسودان اللذين يجري في أراضيهما النيل الذي تعتبره إسرائيل حدوداً جنوبية لها!! وما يجري في سيناء اليوم يثير عرب سيناء وسيقومون بمقاومة التهجير وتدمير القرى فيها ويبلغ عددهم أربعين قرية محرومة من أبسط الخدمات وأهمها المياه والكهرباء، هل سيقاتل الجيش المصري الذي دافع عن العروبة في كل مكان هل سيقاتل عرب سيناء مع إسرائيل؟! أم أنه سيلتزم الصمت كما حدث في العدوان على غزة مرتين متتاليتين؟! إن الجيش المصري يمر الآن باختبار صعب نتيجته أن تكون مصر أو لا تكون، مصر التي قامت منذ آلاف السنين تدافع عن بقائها دولة قوية ورقمًا لا يمكن تجاوزه في السياسة الإقليمية والدولية، على قادة الجيش أن يفكروا في مستقبل ومصير مصر فهي ليست عزيزة على المصريين وحدهم بل عزيزة على كل عربي وكل مسلم يشهد ألا إله إلا الله!!