٭بهرتني حالة العقلانية المهيمنة والمسيطرة على المكونات الاجتماعية لمنطقة أبيي، والتي كلما أدلهمّت فيها الخطوب، وأُشعلت فيها النيران سماها المحللون ب«كشمير الجديدة» ومبعث انبهاري أكثر بحالة عقلانية الراحل كوال دينق مجوك الذي تعرفت عليه عن قرب عند زيارتي لأبيي أكثر من مرة، وكان آخرها في أوائل العام 2006م لإنجاز دراسة ماجستير دبلوماسية السلام والتنمية بجامعة جوبا والتي كان عنوانها:« مستقبل التعايش السلمي بمنطقة أبيي- دراسة وفق برتكول أبيي للسلام» وقد انتهت الدراسة إلى الكثير من المآلات الماثلة الآن، والتي أسهم في تعقيدها ما يُعرف ب«تقرير الخبراء» والذي تجاوز معدوه خارطة الطريق المحددة لهم؛ مما أدى لتعقيد قضية منطقة أبيي على النحو الذي يحدث الآن.. ٭ شخصية الراحل كوال دينق مجوك من حيث العقلانية ذكرتني البروفسير فرانسيس دينق مجوك عن والده الراحل«دينق مجوك سيرة رجل مجدد» والتي قدم فيها نماذج كثيرة تصور عقلانية الرجل الذي حفظ بحكمته نسيج قبيلة دينكا نقوك بكل أفخاذها، مع حفظ علاقات جوارها مع قبيلة المسيرية، وبقية مكونات منطقة أبيي والتي وصفها بأنها علاقات تمثل الخيط الرفيع الذي يمثل همزة الوصل بين السودان الجنوبي والسودان الشمالي ، والتي إذا ما تم الحفاظ عليها فإنها ستحفظ للسودان وحدته ، وتزيل كل الظلامات التاريخية لجنوب السودان، ولكن ماحدث الآن بعد انفصال جنوب السودان وتفاقم قضية أبيي جعل مثل كلمات البروفسير فرانسيس عن والده لراحل دينق مجوك اشبه ب«السراب البعيد» الذي يحسبه الظمآن ماء. ٭ بالمناسبة قبيلة دينكا نقوك لها قيادات متميزة وتتسم بالعقلانية استمدت تميزها من قربها بالسلطان دينق مجوك، والذي دخل مع الناظر بابو نمر«على الجلة» في تحالف استراتيجي جعل من قبيلتي دينكا نقوك والمسيرية وبقية مكونات المجتمع بأبيي، وقد فرّخ هذا التحالف شخصيات عقلانية من القبيلتين من أهمها على الاطلاق السلطان زكريا أتيم، والذي أُجزم أنني لم أسمع أو أقرأ عنه ما يُشين للعلاقات البينية بين القبيلتين، بل يعتبر من أكثر الداعين لتعزيزها وتقويتها؛ لذلك كان من الطبيعي أن يكون موقفه «التاريخي» الماثل الآن الخاص من الاستفتاء الآحادي الذي جرى في منطقة أبيي، والذي يعرف القاصي والداني أنه كان مصنوعاً لدق أسفين في علاقات السودان والجنوب سودانية، وإحراج رئيس جمهورية جنوب السودان الفريق أول سلفاكير ميارديت، والذي أبدى تفاهمات كبيرة مع شقيقه المشير عمر البشير وصولاً لنهايات تنتهي بعلاقة جوار آمن بين بلدين شعبهما واحد. وأبيي نقطة وجسر تواصل للبلدين والشعب الواحد.