٭ ربما لضعف الممارسة الصحيحة لمؤسستانا السياسية منذ بدايات تكوينها، فقد وجدت النزعة نحو القبيلة والجهوية قبولا حيث يلجأ إليها كل صاحب حاجة، لأنها أصبحت تشكل الملاذ الآمن له، بل حتى الاحزاب السياسية ترتكن الى القبلية والجهوية عند الحاجة الماسة والتي تتمثل الانتخابات النيابية والتشريعية حيث تستعين برموز واقطاب الادارات الاهلية ووجهاء الحلاّل والقرى، وكبار التجار لاستقطاب المؤيدين وهؤلاء تستميلهم الأحزاب وتستدر عطفهم تارة ب«التويز» واخري ب«امتيازات» تتمثل في رخص الصادر والوارد وفتح أبواب الاستثمار بحوافزه التشجيعية المعروفة. ٭ من المؤسف أن أصبحت القبلية والجهوية معادلاً مهما في النزاعات التي واجهت فيها الحركات الاحتجاج المسلح الدولة ،حيث تم ادخالها وتوزعت وتفرقت ولاءاتها مع وضد بين طرفي النزاع، فلما انجلت النزاعات وآبت حركات الاحتجاج المسلح الى شرعية الدولة سلاما وصلحا لم تسلم القبلية والجهوية من دفع فاتورة ثمن ولاء فترة النزاع «مع وضد»، فلحق برموزها وقياداتها من تقتيل وتجريح وتشريد مالحق، ولم تسلم أسرهم وقراهم وفرقانهم وممتلكاتهم ، وقد تلظت نتيجة لكل ذلك مجموعات سكانية ومكونات مجتمعية بشظايا تأثيرات النزاعات النفسية والمعنوية بشكل لافت. ٭ ويبدو أن القيادة العليا للدولة واعية تماما لمخاطر الارتكان نحو القبلية والجهوية، حيث شدد السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير في فاتحة المؤتمر العام للاتحاد العام للطلاب السودانيين يوم الاربعاء الماضي على ضرورة نبذ القبلية والجهوية باعتبارها من المسالب التي تنامت كثيرا علي أيامنا هذه وحدثت لها انحرافات حتى غدت مهددا من مهددات الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والتعايش المجتمعي. وبتقديري، أن ذلك يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح وتصحيح لمساراتها مع التأكيد على أن القبلية من الصعب تجاوزها باعتبارها أحد مكونات المجتمع الأساسية، ولكن يجب الا تنحرف عن ذلك لتصبح مقدمة على الوطن. ٭ ومن الضروري، بل ومن اللازم إذا أردنا أن نوقف انحرافات القبلية والجهوية أن نصمم برنامج اصلاحي للتعامل معها يمكن أن تؤسس معالمه في الأتي: ٭ ترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والتعايش المجتمعي وجعلها جزءا من مكونات الرسالة الاعلامية والتعليمية والتربوية. ٭ إعادة نظام المدارس القومية، لاسيما الثانوية، وتوزيع طلاب الجامعات والكليات المختصصة على كل انحاء السودان مع إعادة نظام الداخليات والتي كانت واحدة من محاضن تأسيس الوحدة الوطنية. ٭ إعادة هيكلة أجهزة الدولة وسلطاتها الثلاث على الأساس القومي،وتعيين الولاة وكبار المسؤولين بالولايات علي أساس الكفاءة دون اعتبار لأساس القبلية والجهة. ٭ إعادة هيكلة الخدمة المدنية وتسويرها علي أسس القومية والوحدة الوطنية ٭ ثم دعوا القبلية والجهوية، فإنها لاتسمن ولا تغني عن جوع .. دعوها فإنها «نتنة»...