انقلب السحر علي الساحر..وتجرع الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفس مرارة الكأس الذي سقاه لزعماء العالم بفعل ممارسات وكالة أمنه القومي التي لم تترك شاردة ولا واردة في العالم إلا ووضعتها تحت الميكروسكوب.. فلم تكد تمر ساعات قلائل علي تصريحات البيت الأبيض المدافعة عن تجسس الجهاز الأمني الأمريكي علي زعماء العالم واتصالاتهم إلا وشرعت الصحف العالمية في نشر عشرات التسريبات الجلية حول اجتماعات الرئيس الخاصة بفريقه الرئاسي في أروقة مقر الحكم الأمريكي وتفاصيل ما يجري في الكواليس. فالروايات التي تفرد وسائل الإعلام لوقائعها صفحات بشكل شبه يومي, بناء علي ما ذكره الصحفيان الأمريكيان مارك هالبيرين وجون هيليمان في كتابهما الأخير:' السقوط المزدوج: تغيير اللعبة2102', تتطرق بشكل أساسي لانتخابات عام2102 الرئاسية الأمريكية التي لعب الرئيس أوباما دور البطولة المطلقة فيها بعدما حقق فوزا صعبا علي منافسه الجمهوري العنيد ميت رومني ليحظي بفترة ولاية ثانية. بعض الروايات قد لا يستحق توقف يذكر وبعضها الآخر استفز البيت الأبيض للخروج والتعليق علي ما ورد فيها ولعل أبرزها ذلك التصريح الذي أدلي به أوباما لمساعديه في سبتمبر1102 متفاخرا,' أنا جيد في قتل البشر'. فأوباما الذي اجتمع بفريقه الرئاسي لحثهم علي ضرورة التركيز في الفترة المقبلة علي بعض الملفات التي يقتنع هو بأهميتها كالتغير المناخي والهجرة والفقر وزواج المثليين, نظر لحظة إلي تقرير حول الغارات التي قتل فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن وقائد التنظيم في شبه الجزيرة العربية أنور العولقي, وقال:' فلقد اتضح أنني جيد في قتل الناس',في إشارة إلي دفاع الرئيس المستميت حول ضرورة توسيع نطاق الغارت الجوية التي تنفذها الطائرات بدون طيار.وأضاف:' لم أكن أعلم يوما أن تلك الغارات ستكون عباءة جيدة لي'. تلك العمليات والاغتيالات التي يتفاخر بها رئيس أمريكا الحائز علي جائزة نوبل للسلام عام9002, أسقطت في باكستان وحدها منذ عام4002 ما بين8252 و8463 قتيلا, بناء علي تقرير مكتب الصحافة الاستقصائية الأمريكي, بينهم نحو059 مدنيا. وفي هذا الصدد,أشارت منظمة العفو الدولية إلي جدة مسنة لفظت أنفاسها الأخيرة إلي جوار81 عاملا مدنيا بعد غارة للقوات الأمريكية عام2102, مضيفة أن أسرة تلك الجدة وصلت إلي واشنطن الشهر الماضي لتدلي بشهادتها أمام الكونجرس وتستعطف أعضاء الكونجرس الأمريكي لاستصدار قانون يحقن نزيف الدم. كذلك قتل عبدالرحمن العولقي-61 عاما- الذي يحمل الجنسية الأمريكية في غارة جوية بعد41 يوما من مقتل والده,وهو ما استفز صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في افتتاحيتها إلي انتقاد قتل صبي علي يد حكومة بلاده, فهو أمريكي له من الحقوق ما لباقي بني وطنه علي حكومتهم. وشددت الصحيفة علي ضرورة إعطاء الحكومة الأمريكية تفسيرات واضحة لما يحدث وأن تتحمل مسؤولية ما يجري. ولكن كعادة الإدارة الأمريكية فقد تعهدت للجميع بدم بارد بالمزيد من الشفافية حول برنامج الغارت الجوية بدون طيار التابع للمخابرات المركزية الأمريكية' سي. آي. آيه'. في الوقت ذاته,تطرقت التسريبات المنشورة إلي كواليس الإعداد للمناظرات الرئاسية بين فرسي ماراثون الانتخابات الرئاسية الأمريكية, ولا سيما المناظرتين الثانية والثالثة بعد الهزيمة التي مني بها أوباما أمام خصمه الجمهوري في الجولة الأولي. وأكدت أن الرئيس أوباما كان متوجسا طوال الوقت من ضعف أجندته الرئاسية, فضلا عن ذلك الأداء العاطفي والمزاج الممنهج الذي كان يجري تدريبه عليه.فلقد لقن المدربون أوباما تدريبات صارمة حول كيفية السيطرة علي المنصة عبر الحديث بسرعة وبنبرة معينتين تستطيعان السيطرة علي مشاعر الناخبين, وهو ما كان يعتبره أوباما مخالفا للتدريبات التي تلقاها في مقتبل حياته المهنية كمحام. وأكدت التسريبات أن أوباما الذي عقد مناظرة وهمية مع وزير خارجيته الحالي,حينها السيناتور جون كيري, ظل متوترا حتي اللحظة الأخيرة قبيل توجهه للمناظرة الثانية بنيويورك, وقال لفريقه:'لا أعلم إن كنت أستطيع فعل ذلك. في حين كانت مشاعر السيدة الأمريكية الأولي ميشيل أوباما مختلفة تماما, وكانت تقول دوما لفريق أوباما إن الرئيس خسر جولته الأولي فقط لأن رومني محترف للكذب. ويؤكد الصحفيان هالبيرين وهيليمان في كتابهما أن أوباما كان يسعي في الأيام الأخيرة من حملته الرئاسية إلي حيازة دعم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بكافة الوسائل إلي الحد الذي عرض عليه سداد بقية الديون المستحقة علي هيلاري كلينتون من سباق عام8002 الرئاسي نظير وقوفه إلي جانبه. وهنا يجدر الذكر بأن كلينتون نصح أوباما بعدم التركيز علي ما فاته.. بل علي ما يمكن تحقيقه في الجولات القادمة عبر سلاح واحد فقط,'أن يكون نفسه'. وعن المعسكر الآخر في السباق الرئاسي, نوهت التسريبات إلي أن البيت الجمهوري لم يكن كله مجمعا علي رومني كمرشح رئاسي,حيث اعتبر سيناتور مسيسيبي السابق هالي باربور أن رومني' أنانيا زائفا' لا يمكنه تمثيل الجمهوريين. كما أن سيناتور نيوجيرسي كريس كريستي الذي ربما يكون مرشح الجمهورين القادم في سباق6102 الرئاسي, أثار سخط الجمهوريين بتجوله مع أوباما جنبا إلي جنب في الولاية خلال الأيام الأخيرة من حملة الرئيس للوقف علي حجم الدمار الذي خلفه الإعصار ساندي الذي ضرب نيوجيرسي العام الماضي. وتردد أيضا علي لسان كريستي وصفه للمرشح الجمهوري السابق نيوت جنجريتش, أسوأ كائن حي قابلته في حقل السياسة'. كذلك ورد علي لسان رومني نفسه وصفه لخصمه الجمهوري ريك سانتروم ب المنافق الغريب. وبالرغم من الجدل التي أحدثتها التسريبات منذ اليوم الأول لنشرها والتي دارت حول تفكير فريق أوباما في إحلال كلينتون كنائبة للرئيس محل جوزيف بايدن علي بطاقة2102 الانتخابية, فإن إدارة أوباما آثرت الصمت التام حيال ما يدور حولها. واكتفي دان بفيفيير مساعد أوباما في حوار له مع قناة' إيه.بي.سي' الأمريكية بالتعليق علي تصريحات الرئيس حول الغارات الجوية, قائلا:' التسريبات عموما تصيب الرئيس بالإحباط..فأنا لم أتحدث معه بشأن الكتاب..وهو لم يقرأه.. ولكنه يكره التسريبات بشكل عام'.