تحدثنا في مقال ٍ فائت عن غياب الأغنية الوطنية من السجل الغنائي الشبابي السوداني وتوقف إنتاجها من الكبار،وكنا قد اشرنا في ذات المقال إلى إن الساحة الغنائية السودانية قد عجزت ولسنوات عن إنتاج اغنية وطنية - ولو واحدة - يمكن التحدث عنها، وأن الجيل الحالي من الفنانيين لم يستطيع أن يخلد في الذاكرة الجمعية السودانية أي ملمح فني غنائي يخص الوطن – أقله حتى الآن- وهو ما يعتبره الكثير تهمة كبيرة توجه للشباب ولجيل الفنانيين الحالي. ولكن الكارثة في الغناء الوطني السودانية لم تتوقف عند إنعدام المنتوج بل تخطته لحيز أكثر مصائبية وكارثية وهو التغني للقبيلة والجهوية ونقل مفهوم التعنصر الواضح للعشيرة ليصبح اعلى من الإنتماء الوطني،وهو مانعتبره سلوكاً يقود المجتمع السوداني إلى إتجاه خاطئ،ويحد من مفاهيم اصيلة وراسخة كان يتمتع بها،واشتهر بها. وتحركت الاغنية المنحازة لقبيلة أو عشيرة أو اثنية معينة لتحل محل الاغنية الوطنية والقومية التي تتحدث عن الوطن ككيان واحد،وتحمل قيم رسالية عالية المضامين،وتحول الفن السوداني بقدرة قادر أو بفعل فاعل ودراية منه إلى غناء يمجد التمييز العنصري ويحاول ترسيخه،وذلك على نحو أن يردد أحد الفنانيين على شاشة إحدى القنوات الفضائية السودانية بالنسب إلى قبيلة معينة (..... حر ولدي) .. او (ود الاصول والنسب الأبوك من....) وهو ما يعني أن هناك آخر غير حر وهناك من هو بلا اصل، وغيرها من الامثال التي لا تحصر ولا تعد.والناظر لشاكلة الغناء هذه يراها بما لا يدع مجالاً للشك تدفع المجتمع نحو العنف والاضطهاد وممارسة التمييز العنصري بابشع اشكاله. ولا ادري لماذا تظل الرقابة والمسئولية الحكومية والمثقفة تسد اذانها عن ما يجري، واتساءل إذا كانت أكبر القنوات السودانية والقومية منها تسمح بترديد هذه النوعية من الاغنيات،فإلى اين سننقاد نحن كمجتمع وإلى أي مدى سنتضرر،وعلينا جميعاً ان نعي كفنانين وصحفيين ونقاد فنيين ونخب مثقفة وحتى بقية افراد المجتمع إن ما يجري الآن في الساحة الغنائية في هذا الخصوص هو النواة الأولى والاكثر فاعلية لشطر المجتمع إلى خلايا صغيرة متقاتلة ومتحاربة،وأننا بشكل أو بآخر نشارك في قتل وتدمير وطننا ومستقبلنا وابنائنا. وإلى أن نلتقي في المقال القادم نقول : يجب أن يعي الفنان أنه رسول للقيم والمبادئ وأنه مسئول مسئولية مباشرة أمام الله والتاريخ والمجتمع عما يتغنى به ويردده. قرنفلة للخروج عالي جدا» (تيرمومتر) الحنين لا قايس الحمى العلي .. لا فاهم اوجاع السنين مرات بيطلع كم ألِف .. وعادي ينزل أربعين .