يعتبر رفض الحركات المسلحة واعتصامها بأرض المعركة بدلا من طاولة الحوار تحدياً حقيقياً في مسار التوافق الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية لذلك تظل منظومة الحوار الوطني في امتحان أمام هذا الواقع المعلن بصوت الرصاص. وقد أكدت الحركات المسلحة مراراً وتكراراً رفضها للحوار الوطني قبل أن يقول الجيش كلمته بأن لا حوار حالياً، فالوقت للعمل والقضاء على التمرد في الصيف الساخن الذي بدأ مبكراً هذه المرة ولا زال مستمراً، حيث أشارت القوات المسلحة إلى انها حصرت التمرد في زاوية ضيقة جداً تمهيداً للضربة القاضية. وأشار بروفيسور عبده مختار أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الاسلامية إلى أن رؤية اندماج الحركات المسلحة في الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية يجب أن تشكل وقفة تاريخية في التحول لعهد جديد من أجل رسم خطى مستقبل السودان وبناء دولة مستقره في وقت أصبح فيه السودان يقف على مفترق طرق بعد الثورات العربية والحصار الدولي واشتداد الخناق على التيارات الاسلامية والتدهور الاقتصادي الحالي. وأكد مختار أن الدعوة للحوار تصب في الاتجاه الصحيح في الساحة السياسية اليوم وتشير إلى ميلاد نظام سياسي جديد، وليس بالضرورة أن يبدأ بفترة انتقالية أو حكومة انتقالية فقد بدأت فترة الانتقال بالفعل عبر الحراك المفتوح من خلال الندوات والملتقيات السياسية المفضية في نهايتها إلى رؤى جديدة لبناء دولة متماسكة، والمهم في الحوار عدم استعجال فترته ومخرجاته، إذ أن فترة التحول قد تطول سنوات ، قائلا ثورات بريطانيا وأمريكا وأمريكا وفرنسا استغرقت سنوات حتى تمخضت عن معالم بارزه للانطلاق في بناء الدولة. يرى بروفيسور عبده مختار أن كل طرف يسعى لتحقيق توازن بالقوة، غير أن السباق المسلح يدفع ثمنه المواطن ، وهذا تناقض في توجهات الطرفين، فالحركات المسلحة التي تقاتل -على حد قولها - من أجل المواطنين ولكنها تسهم في الواقع بتردي ظروف المواطن بسبب الحرب ، والحكومة تعمل على تكثيف هجماتها بالرغم من سعيها للسلام ، وفي ذات الوقت فإن خيار الحرب لا يستطيع أن ينهي التمرد على اختلاف منطلقات التحرك العسكري لكل الطرفين لافتاً إلى أن التمرد لن ينتهي بهزيمة الأفراد ، إذ أن القضية التي حاربوا من أجلها موجودة على أرض الواقع. مقترحات لادماج الحركات المسلحة وشملت مقترحات الحضور بمركز الراصد للدراسات السياسية والاستراتيجية خلال جلسة حوار شارك فيها لفيف من الخبراء والمختصين بقضايا الصراع في السودان، تناولت ادماج الحركات المسلحة في الحوار الوطني شملت تقديم الحكومة أقصى ما تطلبه الحركات المسلحة، وذلك عبر مناقشة مشكلة السودان بصورة شاملة من خلال عرض قومي شامل للجبهة الثورية، والتغلب على عقبة عدم الثقة بطرح مجموعة من المعالجات متمثلة في اظهار رسالة واضحة بأن هذا الحوار الدائر حوار وطني وليس حوار مع حزب المؤتمر الوطني ومن رمزيته المائدة المستديرة في ضمان لمختلف القوى السياسية. وأوضح النقاش أن من التنازلات المهمة التي يمكن أن تقدمها الحكومة امكانية تغيير مكانة إنعقاد الحوار إلى أية دولة تحت رعاية دولية وفي ظل ضمانات دولية، مؤكدين أن متطلبات نجاح هذا الحوار وقف اطلاق النار حتى لو استدعى الأمر الإستعانة بقوات حفظ سلام من قوات افريقية ، وايضاً من دواعي المساعي لانضمام الحركات للحوار ، اطلاق سراح السجناء السياسيين، والغاء القوانين المقيدة للحريات، والموافقة على جعل قضايا المنطقتين «جبال النوبة والنيل الازرق» من ضمن أجندة الحوار الوطني ، وجعل قيادة دفة الحوار في يد الأحزاب وليس المؤتمر الوطني. ٭ ممثل غير شرعي فيما رأى البعض أن الحركات المسلحة ليست الممثل الشرعي للاقاليم فهناك قادة سياسين وزعماء قبائل ولا بد لضمان نجاح عملية الحوار أن يتم استيعاب الجميع ، إذ تعتبر الحركات المسلحة أقليات في دارفور وأعمالها يقتصر على النهب، وواجب الدولة بسط هيبتها ومحاربة هذه الحركات المسلحة لأن هناك فرق بين الفعل السياسي المتمثل في استيعاب الحركات ضمن منظومة الحوار بإعتبارها ضمن قوى أخرى في الاقليم ، وبين الفعل العسكري المناط به حفظ الأمن وتحقيق السلام. ٭ تباين وتباينت الآراء حول شرعية الحركات المسلحة وعدم شرعيتها ، فعلى خلاف ما سبق يرى آخرون أن الحركات تقف على أرضية مشروعة وصلبة وبالرغم من انها ليست الممثل الشرعي لأغلبية السكان، ولكنها أخذت قوتها من تعبيرها عن مظالم موجودة أصلا وأكسبتها شرعية قتالية وعلى جانب آخر يبدو أن إنضمام الحركات المسلحة إلى الحوار ليس القضية الأساسية ، فالمشكلة أعمق وتتصل بمشاكل المناطق التي رفعت السلاح وجعلت منه الأداة الوحيدة لتحقيق المطالب ، فمشكلة دارفور لم تبدأ مع الحركات المسلحة، إلا أن هذه الأخيرة عملت على إبراز القضية، ولكن تبقى اثار الحرب في دارفور أخطر من وجود الحركات المسلحة والمعسكرات التي أصبحت مدخل الأزمة الحقيقية لدارفور. واختتم د. دكتور الفاتح عثمان من مركز الراصد، النقاش مشيراً إلى أن حل المشكلة لن يتم إلا بجهد وطني خالص حتى لا يصبح في المستقبل أشد تعقيداً وأكثر كلفة، مؤكداً أن للحوار تحديات ومطلوبات يجب تحقيقها، ويمثل الفشل في تلبية هذه التحديات والمطلوبات سبب لعدم نجاح الحوار في داخل البلد أو خارجها.. اختلفت الآراء من قبل الحاضرين حول مكان إنعقاد الحوار الوطني ، البعض يرى ضرورة أن يكون بالخارج لضمان تنفيذ مخرجاته والأغلبية ترى أن هذا الحوار وطني خالص يجب أن يكون داخل أرض الوطن ، لأن أي طرف خارجي ستكون له أجندة خفية مما قد يؤدي إلى فشل الحوار ورغم الاختلاف وتباين وجهات النظر اتفق معظم المشاركين على ضرورة الحوار الوطني والسعي إلى إنجاحه حتى يخرج بالسودان إلى بر الأمان في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد..