رغم تضجر المواطنين منذ عهد ليس بالقريب من الغلاء الطاحن وعدم مساواة دخولهم بمنصرفاتهم، لكن لم يكن يتصور أكثر المتشائمين أن يصل الحال لما وصل إليه الآن.. الأمر الذي جعل المواطن يتجاوز مرحلة التعبير عن سخطه بالكلام إلى حالة ذهول ويكاد أن يصف بعضهم البعض بالجنون كما حصل في إحدى البقالات حيث ترك أحد السلع بسعر وخرج وعاد بعد دقائق ليجد سعرها أرتفع وما كان ليفعل شيء غير أنه دخل في موجة من الضحك !! جمعية حماية المستهلك بقيادة دكتور شلقامي وياسر ميرغني أقامت ندوة بمقرها بالخرطوم حي أركويت تحت عنوان (سياسة التحرير الاقتصادي ما لها وما عليها )، حيث كان المتحدث الرئيسي فيها دكتور عبدالرحيم حمدي وزير المالية الأسبق وعراب سياسة التحرير الاقتصادي في عهد الإنقاذ وحضر هذه الندوة لفيف من الاقتصاديين والاعلاميين وكتاب الرأي. أبتدر دكتور عبدالرحيم حمدي حديثه مدافعاً دفاعاً مستميتاً عن سياسة التحرير التي أنتهجت في تسعينيات القرن الماضي ولا زالت تتحكم في مصير الاقتصاد السوداني رغم أن المواطن السوداني لم يهضمها رغم مضي كل هذه السنين، وذكر دكتور حمدي في معرض حديثه الخطوات التي أتبعوها لتطبيق هذه السياسة وأهم هذه الخطوات خروج الدولة من التجارة وخصخصة الفنادق والمؤسسات الخدمية وتحريرها مثل دار الهاتف وسودانير ، الكهرباء ، البنوك ، المواصلات والمؤسسات التعليمية والصحية، مثل الجامعات والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية وتسليم العملية الإنتاجية للقطاع الخاص من الداخل وتحرير سعر الصرف لجذب رأس المال السوداني من الداخل والخارج، وعلى أن تكون هنالك مؤسسات للرعاية الاجتماعية ترعى الفئة المتأثرة بسياسة التحرير مثل الصناديق الاجتماعية وديوان الزكاة وغيرها. وأكد حمدي بأن البرنامج الثلاثي لا إختلاف عليه بل الإختلاف على الوسائل ، ويقول خلال عهد الإنقاذ نما الاقتصاد السوداني عشر مرات فقط ويؤكد أنه لا بديل لسياسة التحرير ولولاها لأنفجر الوضع الاقتصادي بالبلاد، لكنه أقر بقصور في تنفيذ هذه السياسة مثل تعامل بنك السودان مع سعر الصرف، حيث وصف الدولار بأنه مثل الطماطم له سماسرة في السوق، فلذلك يجب تحريره لتوفير العرض بدلا من أن يظل بنك السودان كل يوم يعلق منشور جديد، حيث أكد بأن سياسة التحرير حققت عدة أهداف رغم تأثر بعض الفئات بها، ومن هذه الأهداف مكنت الاقتصاد السوداني من النمو، وأستطاعت الدولة أن تجابه الصرف الهائل وجنبت البلاد إنفجار الوضع الاقتصادي وزاد دخل الفرد. وقال الآن أي إنسان منتج دخله بزيد كما أعاب على الدولة إهتمامها بالديون الخارجية، وقال إنها لا تشكل هاجساً، وضرب مثلا بالأرجنتين التي وصلت ديونها مائة مليار دولار، وأكد بأن الدين التجاري دائماً يتم إعفاءه مثل ما حصل في نادي لندن للديون. أما ما يجري الآن على الواقع من إرتفاع كبير لأسعار السلع قال يرجع ذلك إلى عدم الإنتاج وضرب مثلا بسلعة الزيت حيث قال كنا نصدر 800 مائة طن الآن في حدود 60 70 طن ، وعزا ذلك لموجة الجفاف والتصحر التي أدت لإنحسار الغطاء النباتي، ويقول رغم هذا الغلاء الفاحش إلا أنه لا يوجد ركوداً في السوق ويقول -على حد تعبيره - «العندو قروش بشتري « وأنظروا لحركة البيع في البقالات !! الأمر الذي أثار غضب كثير من الحاضرين وأعتبروا كلامه إستفزاز جديد للشعب السوداني، ورغم تأكيده بأنه لا بديل لسياسة التحرير إلا أن حديثه وجه بنقد عنيف من بعض المعقبين، حيث أكد محجوب عروة بأن سلامة الوضع الإقتصادي من سلامة الوضع السياسي وأنه لا يمكن أن يكون هنالك إقتصاد معافى في ظل حكم دكتاتوري شمولي ولا تتوافر العدالة الاجتماعية إلا في ظل حكم ديمقراطي وحرية غير مجزأة .. أما الكاتب الصحفي بشير الجيلي أبتدر حديثه قائلا: بإن دكتور حمدي رسم صورة قاتمة للاقتصاد السوداني وقال إن السياسي في السودان درج على أن يكون همه الأول الاستيلاء على السلطة ثم في كيفية المحافظة عليها وليس من أولوياته نمو اقتصاد البلد أو تقدمه، أما سياسة التحرير الحالية وصفها بشير بأنها جاءت لتمكين الحركة الإسلامية من مفاصل الدولة وأن صناديق الدعم الإجتماعي أثرت سلباً على الاقتصاد السوداني، ووصف الحكومة بأنها طبقت سياسة بصورة مشوهة، حيث خرجت من المؤسسات الخدمية كدولة وأستولت عليها كسلطة وصحيح أن هذه السياسة حركت جمود الإقتصاد، لكن هناك تحكم سلبي وأن سياسة التحرير أصبحت نظرياً تختلف عن تطبيقها عملياً ومثال ذلك أن شركات النظام مسيطرة على مفاصل السوق وتركت الثروة لدى فئة محدودة من المواطنين. المحرر : بتأكيد عراب سياسة التحرير الإقتصادي دكتور عبدالرحيم حمدي بأنه لا بديل عنها ولا يمكن التراجع عنها وغول السوق الذي آلتهم المواطن بإستفحال أسعار السلع هل يعد كلامه «وضع الملح على جرح المواطن المغلوب على أمره» وأن هناك أمل لوجود مخرج في ظل هذه السياسة التي يعتبرها المواطن عرجاً أم أتى تبرير حمدي لسياسته في هذا الوقت لشعوره بالذنب رأفة بما بالمواطن الذي آل لهذا الوضع بسبب سياسة التحرير الإقتصادي ؟ .