ذهبت توقعات وآمال البعض في انخفاض أسعار السلع والخدمات عقب إعلان تنفيذ الاتفاق بين الحكومة ودولة الجنوب القاضي باستئناف ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية أدراج الرياح إذ ما زال غول الغلاء يحكم قبضته على مفاصل أسعار السلع الاستهلاكية بأسواق العاصمة القومية وكافة أسواق الولايات، حيث واصلت كافة أسعار السلع الاستهلاكية اليومية الارتفاع وفي أحسن الأحوال استقرارها على ما كانت عليه قبل الاتفاق والانخفاض الطفيف في معدل التضخم إلى 43% . وأوضح التاجر بالسوق العربي صديق الفكي أن أسعار السلع والخدمات عموما لم تنخفض عقب إعلان الاتفاق على ضخ نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية بالرغم من انخفاض سعر صرف الدولار في مقابل الجنيه وأضاف أن ما يشاع عن انخفاض سعر الدولار غير حقيقي واستدل بمعاودته في اليومين الأخيرين الارتفاع لجهة أنه غير مبني على إنتاج حقيقي بل على شائعات وعوامل نفسية. وأضاف الفكي أن ارتفاع الأسعار بصورة عامة انعكس في تراجع حجم المبيعات قبل أن يوضح استقرار سعر عبوة السكر زنة 10 كيلوجرامات إلى 57 جنيها والعبوة الكبيرة زنة 50 كيلو جرام إلى 270 جنيها وسعر رطل زيت الطعام عند 6 جنيهات وارتفاع سعر رطل زيت السمسم إلى 12 جنيها عوضا عن 8 جنيهات فيما قفز سعر عبوة لبن البودرة زنة 2,5 كيلوجرام إلى 90 جنيها ورطل شاي الغزالتين إلى 18 جنيها في وقت يباع رطل البن بواقع 12 جنيها وكرتونة صابون الغسيل بواقع 25 جنيها و30 جنيها تبعا للحجم وأبان الفكي استقرار سعر كيلوجرام الدقيق إلى 4,5 جنيه بينما تباع كرتونة كل من الشعيرية والمكرونة والسكسكانية بواقع 40 جنيها ودعا الفكي الحكومة في ختام إفادته للبحث عن آلية حكومية تعمل على ضبط السوق ومراقبة حركته لا أن يترك نهبا لجشع بعض التجار الذين يستغلون سياسة التحرير التي تبنتها الحكومة منذ مطلع تسعينيات القرن المنصرم التي تعتمد في نجاحها على الوفرة حتى تعمل آلية السوق بحرية وكفاءة طبيعية في تحديد أسعار السلع والخدمات وفق القانون. وعلى صعيد المستهلكين قال المواطن عبد الله فضل الله أحمد إن المستهلك لم يشعر بعد بانخفاض سعر الدولار في مقابل الجنيه عقب إعلان الاتفاق بين الحكومة ودولة جنوب السودان إذ ما زالت الأسعار مرتفعة ولم ينخفض منها شيء، وأضاف أن ما يحدث بالأسواق يكشف بجلاء أن الانخفاض صب في مصلحة فئة معينة وأن الأمر يقتضي مراجعة كلية لسياسة التحرير التي أضحت تحررا وفوضى بالأسواق على حد تعبيره . وأرجع البروفيسور عصام بوب ارتفاع الأسعار إلى الحالة العامة للاقتصاد الكلي بالبلاد ووصفه بأنه نتيجة حتمية لما يعانيه من تدهور وتراجع غير خفٍ حدا بالحكومة الاعتراف به على أعلى مستوياتها وأجبرها على اتباع حمية تقشف لم تؤت أكلها بعد لجهة تصاعد الأسعار المستمر وعدم بروز بارقة أمل في انفراج قريب يلوح في سماء الإنتاج المحلي. وأوضح بوب أن العلاج لما يكتنف الأسواق من غلاء يتجسد في المعالجة الكلية لأدواء الاقتصاد السوداني الذي يمثل ارتفاع أسعار السلع والخدمات مجرد عرض ينبغي التعامل والتعاطي مع سببه لا العمل على محاربته التي لا تعدو عن كونها تبديداً للوقت والجهد فيما لا يفيد لجهة عدم مداواة السبب. ودعا بوب إلى ضرورة هيكلة المنظومة التي تقف على الاقتصاد الكلي بالبلاد والابتعاد عن المعالجات الجزئية مع ضرورة تغيير المفاهيم الاقتصادية السائدة التي تختلط بصبغة السياسة فتفرغها من معانيها وتحيد بها بعيدا عن مراميها وشدد على ضرورة توجيه الموارد والجهود لزيادة الإنتاج والإنتاجية عبر توطين الإنتاج المحلي والنهوض به والعمل على استقرار سعر الصرف وكبح جماح التضخم وحفز الاستثمار المحلي والخارجي والابتعاد عن كل مظاهر البذخ والترف السياسي التي تعمل على تبديد الموارد المتاحة مع ضرورة الاتجاه إلى الاهتمام بالتنمية والبنى التحتية والاستفادة من تجارب الدول الأخرى وتسخير كل الخامات الوطنية ،وأضاف بوب أن الاقتصاد أصبح تتحكم فيه الإشاعات غير المبنية على أسس اقتصادية سليمة على رأسها احترام قوانين العرض والطلب لا البناء على ارتفاع وانخفاض سعر الدولار. وزاد بوب بدون العودة إلى أسس تقويم الاقتصاد والعمل على إصلاح القطاعات الإنتاجية وتفعيل سياسات اقتصادية حقيقية لن يكتب للاقتصاد العافية لجهة عدم مقبولية التعلل بحالة الدولار ارتفاعا وانخفاضا وقال لتكن ضربة البداية للمعالجة وضع حوافز للقطاعات الإنتاجية لتعاود الإنتاج حتى يتسنى تخطى محطة شح السلع الضرورية والتخلص من ربقة السوق السوداء التي امتدت لكل أركان الدولة خلافا لسياسة التحرير المعلنة التي باتت بفضلها الأسواق محكومة باحتكارات واسعة بواسطة فئة قليلة من الشخوص حتى غدا الاقتصاد محكوما بالمضاربة في كل السلع، الأمر الذي لا يحدث في أكبر الدول الرأسمالية وأضاف بوب أن المضاربة تفسر السعر غير الحقيقي للدولار اليوم لجهة عدم اكتمال الدورة الاقتصادية واعتمادها على اتفاقية خارج الحدود لا يغطي العائد المتوقع منها ربع عجز الميزانية المعلن البالغ أكثر من 4 مليارات دولار. وحذر بوب من مغبة الاعتماد على الاستثمار الأجنبي وإهمال القطاعات الإنتاجية المحلية في ظل السياسات الزراعية غير المشجعة على الإنتاج على حد قوله وختم بأن السلطات الإدارية والاقتصادية غير قادرة على استنباط خطة لإسعاف الاقتصاد الصحافة