يخشى غالبية الجنوبيين الموجودين في المنفى العودة إلى الوطن خوفاً من تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، ويعتبرون الخطوة نوعاً من المخاطرة، وأنها ستعيدهم إلى مشاهد النزيف التي فروا وتركوا الأوطان وفارقوا لأجلها الآباء والأمهات. نجا "باياك تشول بوتش" من واحدة من أسوأ حروب القرن الماضي لذا من المعقول أن يتردد في المخاطرة بأن يجد نفسه وسط أتون حرب جديدة. وفر "بوتش" قبل نحو ثماني سنوات من الحرب الأهلية في السودان التي استمرت عقوداً إلى مصر التي يعيش فيها حالياً أكثر من 20 ألف لاجئ مسجل كما يعتقد أنها تستضيف مئات الآلاف من المهاجرين غير المسجلين. انزلاق مفاجئ وبالنسبة لبوتش وكثيرين غيره من السودانيين الجنوبيين يأتي الاستفتاء في التاسع من يناير على انفصال جنوب السودان عن الشمال تحقيقاً لحلم دام نصف قرن بالاستقلال، لكنه في الوقت نفسه يثير احتمالات الانزلاق إلى الحرب. وقال بوتش الذي يحمل شهادة في التمريض بينما يقف على مدخل المركز الاجتماعي المكون من ثلاث غرف والذي يديره في إحدى ضواحي القاهرة: "إذا كان هناك سلام في السودان فسوف أعود.. عندما أعود سوف أساعد أهلي لأن أهلي يعانون.. لا يوجد أطباء ولا ممرضون، الحالة صعبة لكنني لا يمكن أن أذهب الآن لأنني خائف". ونصت اتفاقية السلام الشامل عام 2005 التي أنهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب على إجراء الاستفتاء. " مسؤولو هجرة وعمال إغاثة قالوا إن الكثير من السودانيين الجنوبيين الذين يعيشون في مصر والذين يعتقدون أن الشمال لن يسمح للجنوب بالانفصال دون حرب ما زالوا يحجمون عن العودة " تعنت الشمال ويقول مسؤولو هجرة وعمال إغاثة إن الكثير من السودانيين الجنوبيين الذين يعيشون في مصر والذين يعتقدون أن الشمال لن يسمح للجنوب بالانفصال دون حرب ما زالوا يحجمون عن العودة قبل الاستفتاء. وكانت الحرب واحدة من أسوأ الصراعات التي شهدتها القارة الأفريقية حيث راح ضحيتها ما يقرب من مليوني شخص وتسببت في فرار أربعة ملايين آخرين. وساعدت مفوضية الأممالمتحدة العليا لشؤون اللاجئين 1645 سودانياً على العودة في العام 2007 وساعدت 1104 في العودة عام 2008. لكن هذا العدد انخفض العام الماضي إلى 631 شخصاً فقط ولم يعد من مصر في 11 شهراً الأولى من العام 2010 سوى 376 سودانياً فقط. انخفاض ملحوظ وقال السفير محمد الدايري الممثل الإقليمي للمفوضية إن عدد اللاجئين الذين يعودون طوعاً إلى ديارهم في جنوب السودان انخفض بشدة خلال عامي 2009 و2010 مقارنة بالأعوام السابقة، وقال إنه يعتقد أن الناس يترقبون ما ستسفر عنه الأحداث. وأضاف أن هذه التحديات تجعل العودة إلى بلد حديث الاستقلال أكثر جاذبية. وقال: "أعرف أحد المحامين يعمل في تنظيف البيوت. ولدينا طبيب يعمل عاملاً في أحد المكاتب.. عندما تعود سيكون الأمر مختلفاً. عندما تكون في بيتك تكون حراً". وقالت وزارة الخارجية المصرية إنها لا تعتزم إعادة السودانيين الجنوبيين بعد الاستفتاء. لكن حكومة جنوب السودان التي تريد عودة الجنوبيين إلى ديارهم للمساهمة في بناء البلد الجديد متفائلة بعودة مواطنيها بعد الاستفتاء. خطة مساعدة ووضع المسؤولون في جنوب السودان خطة للمساعدة في عودة 12 ألف جنوبي من مصر في العام 2011 وعرضوا الأموال من أجل نقلهم وتغطية نفقات أخرى. ويقول بعض الجنوبيين إن إغراء الحياة في الجنوب بعد الاستقلال يفوق خطر الحرب. وقال فرانسيس واني (39 عاماً) وهو مدرس من جوبا عاصمة الجنوب إنه سيعود على أي حال سواء تجدد القتال أم لا. وقال: "أريد أن أكون هناك.. أنا مستعد لاستقبال المولود الجديد الذي يسمى جنوب السودان".