في كتاب أصدره مركز دراسات الإسلام والعالم والمعاصر بالعاصمة السودانية الخرطوم خلال العام 2011م، نحاول أن نجد ماهو التفسير الحقيقي للسياسة الأميركية تجاه السودان بصدد دارفور؟ وما هي المصالح التي ترمي إليها من وراء موقفها؟. وذلك ما سنحاول أن نجيب عنه في ثنايا سطور هذا الكتاب الذي ألّفه د. أحمد محمد وهبان، ويقع في 72 صفحة، حيث عبر عن الموقف الأميركي، وتوصيف الوضع في دارفور بالإبادة الجماعية. إقليم دارفور الجغرافيا والديموجرافيا والموارد يقع إقليم دارفور في غرب السودان، ويتاخم ثلاث دول أفريقية هي: ليبيا في الشمال، تشاد في الغرب، وأفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي. " دارفور تعد إقليماً غنياً بثرواته الطبيعية إذ تنطوي تربته على كميات كبيرة من خام النحاس، وغني بخام اليورانيوم والنفط " وتقدر مساحته بربع مليون كيلومتر، ولقد قسم الإقليم إدارياً منذ العام 1994 إلى ثلاث ولايات هي ولاية شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، وولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، وولاية جنوب دارفور وعاصمتها نيالا. أما على الصعيد الديموجرافي، فإن عدد سكان الإقليم يبلغ حسب إحصاء 1994 زهاء الستة ملايين نسمة يتألفون مما يقرب من مائة جماعة عرقية "قبلية" ومن بين هذه القبائل ماهو ذو أصول أفريقية، ومنها أصول عربية، وتمتهن الزراعة القبائل الأفريقية، ويمثل الرعي مهنة القبائل العربية. وتعتبر قبيلة الفور من أكبر القبائل الأفريقية التي يستمد منها الإقليم مسماه، أرض الفور، أما على صعيد الموارد فإن دارفور تعد إقليماً غنياً بثرواته الطبيعية إذ تنطوي تربته على كميات كبيرة من خام النحاس، وغني بخام اليورانيوم، ولا يفوتنا نفط دارفور. مشكلة دارفور: الأسباب والجذور والأطراف والتداعيات أشار الكتاب إلى أن أبناء الإقليم "عرباً وأفارقة" عاشوا لعقود في سلام وتماسك وتعاون، غير أن التغيير بدأ منذ الثمانينيات من جراء شح الموارد وتزايد معدلات الفقر. حيث أنشأ الفور تجمعاً عرف بالحزام الأفريقي، والعرب أنشأوا تجمعاً يسمى بتجمع العرب، مما عمَّق النعرة العرقية الأفروعربية. واندلعت الاضطربات بالإقليم بدءاً من فبراير 2003، حيث أعلنت مجموعات من الطلاب والناشطين تمردها على الحكومة المركزية وأبرز هذه الحركات "جبهة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، والجنجويد"، والتي تمثل القبائل الدارفورية. وأوضح الكتاب أن حركة جيش تحرير السودان تضم قبيلتي الفور والزغاوة، وتأسست في نوفمبر 2003 وتبنت الانفصال مع إيجاد سودان ديمقراطي حر وفصل الدين عن الدولة، وأبرز قادتها عبدالواحد محمد نور ومناوي. أما حركة العدل والمساوة تأسست عام 2001 بقيادة خليل إبراهيم، بدأت عملها الميداني 2003 وقامت بهجوم على مدينة أمدرمان في مايو 2005، ورحبت بقرار المحكمة الجنائية الخاص باعتقال رئيس الجمهورية عمر حسن البشير. أما الجنجويد فهم قطاع طرق ولصوص. " تحالف "أنقذوا دارفور"، حمل حكومة السودان مسؤولية ما يجري في دارفور، واتهمها بانتهاج سياسة الإبادة الجماعية في مواجهة أبناء الإقليم الأفارقة " المحكمة الجنائية، وأنقذوا دارفور أبان الكتاب أن التحليل المتعمق للسياسة الأميركية تجاه مشكلة دارفور، يتطلب التعرض لموقف المجتمع المدني الأميركي ودوره في تأجيج العداء الأميركي إزاء السودان وتحليل المشكلة من الداخل، في أروقة الأممالمتحدة وإحالتها إلى المحكمة الجنائية. حيث واكب الصراع الدارفوري ظهور تحالف "أنقذوا دارفور"، هذا وقد حمل حكومة السودان مسؤولية ما يجري في دارفور، واتهمها بانتهاج سياسة الإبادة الجماعية في مواجهة أبناء الإقليم الأفارقة. كما يدعو الائتلاف المجتمع الدولي إلى استخدام الوسائل كافة للإطاحة بالحكومة، وتنظيم مظاهرات احتجاج واسعة. في ذات السياق، أعلن الرئيس بوش الابن جملة من العقوبات ضد السودان، كما دعت المنظمات إلى ضرورة التدخل العسكري في دارفور، ونشر قوات دولية، مع تشديد العقوبات على السودان، باعتبار ما يجري إبادة جماعية حيث راح ضحيته أكثر من أربعة آلاف قتيل. مشكلة دارفور داخل أروقة الأممالمتحدة ألقت الولاياتالمتحدة بضغوطها على مجلس الأمن فيما يخص مشكلة دارفور، حيث تمكن الأميركيون من تمرير عشرة من مشاريع القرارات، جاءت كلها في إطار انتقاد حكومة الخرطوم، باعتبارها المسؤول عن ما يجري في دارفور دون تحميل التنظيمات الدارفورية المناوئة للحكومة المسؤولية هي الأخرى. وبيَّن الكتاب جملة القرارات التي صدرت وهي 1590و1591و1593 وأبرزها القرار 1556 الذي يدين جميع أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، من جميع أطراف الأزمة خاصة الجنجويد. كذلك القرار رقم 1564، حيث طالب بتجديد هوية الأشخاص المسؤولين وتقديمهم للعدالة، أما القرار رقم 1593 قرر إحالة الوضع القائم إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فيما قرر القرار رقم 1706 نشر قوات دولية قوامها 173000 من العسكريين، و3300 شرطي مدني داخل دارفور لكن القرار وجد رفضاً من الصين خوفاً من تفجر العنف في الأوساط الشعبية والرسمية، وأخيراً صدر القرار رقم 1769 فحواه نشر قوة مشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي قوامها 19555 من العسكريين و6432 شرطياً دولياً "يوناميد". السياسة الأميركية تجاه السودان.. تفسير واقعي عدّد الكتاب ثلاثة دوافع واقعية حرّكت السياسة الأميركية تجاه السودان بصدد مشكلة دارفور، وهي عوامل يبرزها بجلاء التحليل المتقدّم بما انطوى عليه تعريف الإقليم وما يحويه من موارد، وبجذور المشكلة التي يعاني منها، وكنه الأطراف الدولية والمحلية التي انغمست فيها، بالإضافة إلى السياسات ومواقف تلك الأطراف. " علاقة الصين بالسودان أثارت حفيظة الأميركيين، والمحلل ديفيد موريس قال إنّ ما تريده أميركا بوضوح هو بترول جنوب شرق دار فور " وتتمثل تلك الدوافع الثلاثة فيما يلي: الصراع على النفط وحصر النفوذ الصيني المتنامي في دارفور وعموم القارة الأفريقية ولعل من قبيل الفائدة هنا أن نسوق مقولات لبعض المحللين، حيث يقول ديفيد مورس: "معظم الصراعات الكبرى تدور حول النفط، ومعظم الصراعات العالمية الكبرى تدخلت فيها العسكرية الأميركية، فهناك الحروب في العراق وأفغانستان والصومال وأندونيسيا ونيجيريا وإيران وتشاد وغينيا الاستوائية والجابون. إن ما تريده أميركا بوضوح هو بترول جنوب شرق دار فور". وليس ثمة شك أن علاقة الصين بالسودان أثارت حفيظة الأميركيين. الصراع الأميركي الصيني على بترول العالم بعد أن دخلت الشركات النفطية الصينية إلى دارفور وسائر السودان ب"الباب الكبير" وتعدى دخولها إلى تشاد. وهو الأمر الذي اعتبره الأميركيون بمثابة انتصار جديد للصينيين في زحفهم الهادف إلى بسط النفوذ الاقتصادي والسياسي على القارة السوداء، فإن الأميركيين لم يكونوا سعداء بذلك التغلغل الاقتصادي الصيني المتسارع في أفريقيا، تلك القارة ذات الموارد الطبيعية الهائلة. لقد أقلق الأميركيين بشدة، التنامي الاقتصادي الكبير في مجالي البترول والتعدين، ودخول الاستثمارات الصينية بقوة في تلك القارة، والتي تمثل في ذات الوقت بسكانها سوقاً لا يستهان بها للمنتجات الصينية الواعدة. وقد ورد في إحدى التقارير أن هناك لعبة صراع استراتيجي تجري في وسط أفريقيا من أجل السيطرة على الذهب الأسود، ويمثل إقليم دارفور منطقة محورية عظيمة الشأن في هذا الصراع. يبدو أن الحرب بدأت بالفعل بين بكين وواشنطن وسط رمال أفريقيا. " الأميركيون لم يستسيغوا أبداً النظام السوداني ذا النهج الإسلامي، وأنهم طالما اعتبروه من ألد أعدائهم، ويتحرقون يوماً لزواله " الولاياتالمتحدة والنهج الإسلامي للحكومة السودانية تؤكّد ملاحظة تاريخ السياسات الأميركية تجاه نظام البشير حقيقة أن الأميركيين لم يستسيغوا أبداً هذا النظام ذا النهج الإسلامي، وأنهم طالما اعتبروه من ألد أعدائهم، ويتحرقون يوماً لزواله. وقد اتضح ذلك جلياً في الدعم غير المحدود الذي قدمته الولاياتالمتحدة لحركة الجيش الشعبي لتحرير لسودان بزعامة جون قرنق، وهي الحركة التي خاضت حرباً مسلحة ضد الخرطوم منذ عام 1983، بهدف واضح للعيان يتمثل في الانفصال بإقليمجنوب السودان عن البلاد. وصعدت أنشطتها العسكرية منذ وصول نظام البشير الإسلامي، وراحت الولاياتالمتحدة الأميركية تغدق المساعدات العسكرية والاقتصادية لأي حركة تعمل ضد النظام. وأخذت ترمي بضغوطها على حكومة الخرطوم ومحاولة الإيقاع مع الدول المجاورة. النفوذ الإسرائيلي المتمدد في حوض النيل ومعلوم أن السياسة الإسرائيلية الرامية إلى التغلغل في أفريقيا ترتد ارهاصاتها الأولى إلى خمسينيات القرن العشرين، وهي السياسة الهادفة إلى تطويق مصر وإخراجها من منطقة نفوذها الطبيعي وخصوصاً في منطقة حوض النيل. حيث سعت إسرئيل دوماً إلى مد جسور التقارب مع دول تلك المنطقة وعلى رأسها أثيوبيا وكينييا ويوغندا وتأليبها ضد مصر فيما يتصل بسياسات توزيع مياه النيل التي هي عصب الأمن القومي المصري، حيث تمثل التحدي الأكبر لوجود دولتهم، على الرغم من اتفاق السلام المبرم بين الدولتين في عام 1978. حيث أثبتت التجارب التاريخية منذ ذلك التاريخ أنه بمثابة اتفاق مع نظام سياسي قد يتغير في أية لحظة، وتبقى حقيقة رفض الغالبية من الشعب لأي تطبيع مع إسرائيل. وقد نجح الإسرائليون في إيجاد موضع قدم في دارفور من خلال عبدالواحد محمد نور قائد حركة جيش تحرير السودان. " الإسرائليون نجحوا في إيجاد موضع قدم في دارفور من خلال عبدالواحد محمد نور قائد حركة جيش تحرير السودان " الخاتمة قدم الكتاب في ثنايا هذا البحث، دراسة تحليلية للسياسة الخارجية تجاه مشكلة دارفور وهي المشكلة التي تعد بلا شك أكثر مشكلات العالم تعقيداً، وقد حظيت باهتمام أميركي بالغ ومبالغ فيه سواء من قبل الإدارة الأميركية ذاتها، أو على صعيد المجتمع المدني. وهو الاهتمام الذي برره الأميركيون المنغمسون في التعاطي مع المشكلة بمبررات أخلاقية من قبيل الدفاع عن حقوق الإنسان وإنقاذ شعب دارفور، مما يتعرض له من مظالم وانتهاكات وفظائع ضد الإنسانية. ظهر سؤال هل كانت السياسة الأميركية تجاه مشكلة دارفور مدفوعة فعلاً، وقد اقتضت الإجابة تقديم تأصيل للمشكلة الدارفورية بدأ بتعريف بإقليم دارفور من حيث الجغرافيا، والسكان والموارد الطبيعية، تلا ذلك عرض تحليلي للمشكلة انطوى على تعريف بجذورها التاريخية، وأسبابها، وتداعياتها الداخلية.